منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذاكرةُ .. أنف
الموضوع: ذاكرةُ .. أنف
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-24-2009, 02:04 PM   #6
وشـــاح
( كاتبة )

الصورة الرمزية وشـــاح

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 19

وشـــاح غير متواجد حاليا

افتراضي



دخلتُ عليها مطبخها و كانت تفركُ على طاولة خشبية عجيناً بدقيق و تفردهُ و تسوّيه , ثم تبذرُ فوقهُ الزعتز بالسمسم وتصنعُ أشكال نصف قمر , جلستُ أحاكيها و تحاكيني عن جدتي التي قطفتُ سنةً من عمري بجانبها بعيداً عن أهلي , عن حبها للزعتر وكيف أنها تبدعُ الوصفات الشعبية وتقحمُ فيها الزعتز بعد أن ترشهُ بزيت الزيتون وقطرتين أو ثلاثة من عصير الليمون , انتشلني حديثها الذي علمتُ تماماً بيقينه إلى تلك الليلة حين كان الحزنُ يتسلى بجسدي ويفركُ عيني بقليل من الأرق , وجدران غرفتي المتواضعة تسامرني الصمت المخنوق بيد السؤال .. وماذا بعد هذا ؟

هبطتُ عليها في دارها و أنا أحاول تكسير علامة الإستفهام تحت مواطئي بألم يواسي الحنين , سلمتُ بصوتٍ خفيض وآويتُ بجانبها أمعنُ في تطبيق شفتيّ ..
مازحتني بدفء و ناولتني كوب شاي و فطيرة زعتر , أخذتُ الكوب عنها و استلمتُ بيدي الأخرى فطيرتي , اقتسمتُها و وضعتُ النصف بجانبها و ابتَسمَتْ و أكملتْ حديثها الذي يبدو لي أنه كان يخالجها قبل أن تراني و ما إن رأتني فضلت أن يكون مسموعاً مادامت هناك أذن تسمع ..
بدأت بسرد ذكرياتها إلى النقطة التي انتهت عندها من ألم المخاض بأمي التي كبرت قليلاً لتصبح أماً أخرى من غير أن تشعر لجميع أبناء جدتي , تقول هذا وتضحك وتحمدالله أن بكرها بنت , وتشدُ القبضة على يدها - كانت الأحداث في مخيلتها تتوالى بسرعة بينما عيناها عُلّقت بأطراف أصابع قدمها التي تمتدُ بإسترخاء أمامها , وتسمحُ لنفسها بالإستنتاج و التعقيب و ربط الأحداث و تأريخها - و من غير أن تسمح لي باستدراجها بادرت بدعائها للسماء ..
تشابكت الأيدي و وقفتُ بذاكرتي في المنتصف , مدّت لي كلتاهما نصفُ فطيرة زعتر .. أخذتها من جدتي و تمنّعت من أمي ..
أمي لم تكن تدري بأن رائحتها تحملُ لوعة الحنين و لونها الزيتي أشباح غربة ..

 

التوقيع

وذا الماء مائي
وذا اليبْس يبْسي *

وشـــاح غير متصل   رد مع اقتباس