منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ~~ وزارة الغربة ( 1-11 ) ~~
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2009, 03:25 PM   #10
عبدالله بن زنان
( السيل )

افتراضي وزارة الغربة (9)


بسم الله الرحمن الرحيم
~ الروح ~
الرقم / 815


~ وزارة الغــربة ~
التاريخ/ سقط سهواً

~ إدارة الأركان ~

__________________________________________________ _







ركن المقهى ..

صباح مشرق .. ونسمة حب أنيقة تطوف بأرجاء المقهى العتيق .. وفي ركنه الأيسر .. تضع يديها على يديه .. وشحنات حنين متقد تجذبهما في هدوء .. لم يشعرا بأحد من حولهما .. فهما في عالم الأرواح .. ولم يتبق منهم أمامنا سوى الأجساد ..
نظراتهما لبعض يسوقها الحمام أحلاماً وأغاني .. ولقاؤهما يخيم عليه عبير الشوق وقطرات من ماء الحياة الأزلي .. وكأنهما تحت عازل من الحب وخمر الكلمات تتسرب من شفتيهما .. وتفاحة القدر تتدلى عليهما بأناقة باردة .. وخجل عفيف ..
تابعتهما من بعيد .. مهنئاً غربتهم المثمرة في عالم الجسد .. في الركن القصي الذي جمعهم أمام الجميع .. وبعيدا عن الجميع .. ولم أرغب أن أعكر صفو المطر .. وإلا لتقدمت إليهما بسكين الحياة .. لإلتهام التفاحة ..








ركن الفقد ..


الإضاءة نار .. متجهة نحو شرايين المارة .. في شارع كبير .. وتأتي حبال الذكرى بخيلاء الأقوياء .. وتقيد المارة .. وتصلبهم بالنظر إلى ركن يسرق الحياة .. ليبثها في ركن الفقد .. ليعيش الأحبه بحياة المارة .. ويموت المارة .. وهم بلا حراك .. مقيدون بحبال الذكريات .. في ركن غير مقيد بمكان .. ولا زمان .. فهو في كل البلاد .. في البحر واليابسة .. في نهار الليل .. وليل النهار .. تحت لحاف الوجد .. وفوق وسائد الغياب .. بين الحروف .. وبين الكلام .. بداخل الشمع .. والشريان .. وخارج الدمع والهذيان ..
إنه الفقد وركنه الثابت كشجرة شريان .. تبث في الطين سخرية الحياة .. وحياة السخرية ..








ركن القاعة ..


وصلت إلى قصر الثقافة الملكي ( وكأن الثقافة أيضا تحتاج إلى تضخيمها بتاج الملك ) .. عند الساعة السابعة مساءً .. وظننت أنني تأخرت وأنا أسابق الريح لأصل أولاً في نشوة تختلف .. وكأنني على موعد مع الدمع .. في حفل تأبين الحياة ..وصلت وذهلت .. فالقاعة التي تتسع لأكثر من 2500 شخص ملئت تماماً .. إلا الأطراف اليسرى العليا .. وبقي منها بضع كراسي وكأنها فرحة مستبشرة وكأن الورد يسكنها .. أقتربت إليها وبلا شعور جلست في الركن .. وكأنني غريب .. وأنا كذلك ..
وما أن انتظرت قليلا حتى عجت القاعة بالأنفاس الحارة .. وامتلئت عن بكرة أبيها وكل عائلتها الملكية ..
ومضت الثواني ببطء .. وكأن الوقت يحارب الحضور بعنف .. وهو يبتسم لهم قائلا .. سأتعبكم حتى يحين موعد نزول القمر .. وبعد أن أثخنت الجميع عقارب الوقت ..جاء موعد الموت والحياة سوية .. في قمر طيني .. أنيق .. متعب الخطى .. وإذا بالجميع يقف في ثورة منظمة من التصفيق المتواصل لقمر المكان ( محمود درويش ) الذي أضاء القاعة بشمس روحه الطاهرة .. وبدأ بإطلاق الكلمات واقفاً على أنغام العود الأصيل .. كشجرة نخيل باسقة .. رطبها لذيذ وموجع في آن .. فجزيئاته تحمل السكر والبارود .. والماء والنار ..
ومضى الوقت بلا وقت .. وكانت دموع البعض تغالبهم وهو يطعنهم بخنجر من الماس .. حيث ختم طعناته وفصوله بقوله ( عراق .. عراق .. عراق ..) ..
ووقف الجميع يودعه وداع الروح .. وكأن الإحتفال كان إحتفالاً بإستمرار حياة الموت .. والدمع هو المتساقط الوحيد من شمع الأرواح الدافئ .. وأحسست حينها بأن الكل غريب .. وما أنا إلا رقم من قائمة الغربة الطويلة .. وروح واحدة سقطت دموعها في ركن القاعة ..








ركن الفوضى ..



هنا ..تختلط الأولويات بالمصالح .. بالرفض بالعنف .. وكأنما الماء يتجذر النار .. ويتفقان على تأسيس كرسي لهذا الركن .. ما أن يجلس عليه أحدهم .. حتى تجده عارياً من كل شيء حتى حقه بإستئناف العودة لأي ركن آخر ..
وتجد أحدهم يجلس ويتم تحريكه كقطعة شطرنج جامدة .. فيتجه نحو الظلام ومن ثم إلى الندم .. وفق رغبات مدير هذا الركن الذي يهدد الجميع بالسيف الأمريكي والدرع العربي .. والدماء المهجنة ..
فسحقاً ياركن الضياع .. ياركن الموت بعد الموت .. ياركن توالي الطعنات .. ياركن الذل وإمتهان البشر .. سحقاً ياركن بلا غاية .. ياركن بلا هوية .. ياركن الإنصياع تحت أشعة التغيير المنبثقة من شمس الصليب .. إلى جلود لم تعهد سوى الشمس .. ولكنها شمس الحرية ..








ركن البهو ..


ذات مساء فاخر .. يتمايل بنسمات باردة .. تباعدت الخطى بين الحلم وحقيقته الصفرية .. التي أذهلتني .. حين بدأ ذلك ( اليهودي ) بإلقاء التحية .. من خلال كلمات لم أفهم منها شيئاً .. ولم أفهم سوى حركة يده التي توحي بإلقاء السلام .. السلام الموبوء .. سلام الشيطان .. أو لنقل سلام بلا حمام ..
صدمت بعاصفة من الأسى حملت أشلاء الحلم لترتطم بأفكاري وواقعي المثير .. المرير .. وأندهشت .. ولم أفق من دهشتي إلا حين كرر ذلك الرجل تلك الجملة .. وأتبعها بجمل أخرى لم افهمها .. ولكنني أشرت بيدي .. وابتسمت .. كرد لتحيته .. تلك الإبتسامة التي لم يمر بحياتي أصعب منها .. ولن يمر ..
تلم الإبتسامة التي أحسست بأنها وأدت حلما .. وأسرفت البذخ في طعنات متوالية لروح هائمة .. غائمة .. عاودت الموت بركن البهو .. وحيدة بلا أجنحة ..








ركن السوق ..


سوق ملئ بالأشياء .. الثمينة تاريخياً .. الرخيصة عالمياً .. في أحد أركانه الكثيرة .. لم يلفت إنتباهي سوى نحيب ذلك العجوز المتواصل بملابسه المتسخة طهراً وألماً .. ويمر من حوله الماره وكأنهم لايرون شيئاً .. ولايسمعون سوى صوت (ديك تشيني) حين قال : أن المعركة ضد الإرهاب متواصلة وغير محددة بمكان أو زمان ..
وقفت أتأمل ذلك العجوز .. وتقدمت نحوه .. وحادثته .. ولم يجبني .. وأشار بيده إلى الممر الضيق المجاور لركنه .. وتقدمت بجانبه لرى ماذا يقصد .. فإذا بي أمام ممر منحدر بدرج إلى الأسفل على جوانبها ثلاثة أطفال وإمراة .. فرجعت إليه ( ....................) وعرفت أنه عراقي الجنسية عربي الهوية .. ومضيت في طريقي وأنا أقول أن هذا الركن هو ركن الحاضر الذي يجب أن نراه .. لنرى القادم بكل وضوح وإرادة .. في زمن اللاوضوح ..







الركن الهادئ ..

هوالركن المشاغب .. فجميع المشاعر .. تعيش الثورة بكامل أجندتها .. وإن جلس فيه الكثير .. في مقهى الحياة .. والتزموا بالهدوء جسدا .. فالعكس هو الصحيح .. فالماء في حالة غليان داخلي .. لايشعر به سواه .. والنار تضطرم جوعاً لأكل ماتبقى من صبر .. والذكرى تطوف الأرجاء وتقدم القهوة السمراء .. وتقدم الحياة لمن رحلوا بصمت .. ومن رحلوا بلا صمت .. وتزرع الموت لمن بقي بالركن الهادئ .. وكل الأركان ..
فهنيئا .. لمن يعيش بلا ركن .. فكل الأركان تشير إلى الغربة .. وإلى وحدة النبض .. وإن بدت الحياة أكثر عطفاً في ابتسامة طفل .. فهي أشد إيلاماً في دمعة رجل ..






.

.


.




الســــيل

 

التوقيع

أسامينا ..!
كتبناها بـ صباح أزرق ..
ولا ورَق ..!
من كفوف الشجر طارت أماني وابتعد عصفور ..!

alsailll@hotmail.com

عبدالله بن زنان غير متصل   رد مع اقتباس