1]
الناسُ أشباهُ بعْضٍ ، و " شبيهُ الشيءِ منجذبٌ إليهِ " ، هكذا قالَ أبو الطيب المتنبي ، الحكيم الأكبر .
و بما أنَّ التشابُهَ سِمةُ الإنسان فإنني أجد نفسي في بعضِ الشعراءِ ، شِبهاً في النفسيةِ لا في الموهبةِ ، فلستُ شاعراً ، و إن قيلَ عني ذلك ، و الواقعُ بُرهانُ الحكايةِ ، و لا بًُرهانَ .
لهذا أجدني مُغرَماً بشعرِ أبي الطيب المتنبي ، أُحبُّه كثيراً ، و أطرَبُ له ، جعلتُ رُكناً خاصاً في المكتبة ، لا يُشاركه فيه أحدٌ .
حين أقرأ لأبي الطيب المتنبي أجدُ أبياتَه كأنها تحكيني ، وهذا أكبرُ بُرهانٍ نجده في حياتنا ، فذا يُثبتُ التواصُلَ الروحي و النفسيَ بين الناسِ ، و لو لم يكن هذا موجوداً لربما ضاع الكثيرُ مما أبقاه الأولُ ، فالميلُ تعلُّقٌ ، و التعلُّقُ إبقاءٌ .
في بعض الدراساتِ الإنسانية وجدوا شيئاً من هذا ، قلتُ شيئاً لأننا لم نصِلْ إلا إلى جزءٍ يسيرٍ مما يتعلق بأعماقِ الإنسان ، إذْ أثبتتْ تلك الدراساتُ أن الشخصياتِ التي بينها ميلٌ لبعضها يكون بسبب تشابُهٍ كبيرٍ في جُمجمةِ الرأس .
من الشعراءِ الذين أُحبُّهم الشريف الرَّضي ، و في ديوانه أبياتٌ اخترتُها ، و عجبي من هذا الشاعر من منطِقِ شعره جوهرٌ بهيٌّ ، يسلُبُ مني الكثيرَ حين أقرأ له ، لكنني أتحاشاه خشيةَ أن يأخذني من المتنبي و يحِلَّ هو محلَّه ، لهذا فإنني أمُرُّ مروراً عليه ، و أمتثلُ الأدبَ " زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً " .
غير الشعراء هناك مفكرون ، و علماءُ شرعيون ، و آخرون أدباء ، و فلاسفةٌ ، و أصنافٌ ذَوو أطيافٍ ، و ربما لا يكون ميلاً كبيراً حدَّ الظهور عِياناً .
هنا أتساءل : أسرارُ الميلِ بين بَني الإنسانِ مما يكون منبثقاً و مُنبعِثَاً ، خاصةً حين لا تكون هناك صِلةٌ ، كالميلِ من الإنسان الحالي إلى الإنسان السابقِ ؟
و حتى إن وقفتُ على جوابٍ فلن أرضى حتى أُنَقِّبَ عن عُمْقٍ فيه لأقفَ على نقطةٍ ينتهي إليها العقلُ البشري ، و هنا تساؤلٌ آخر : متى ينتهي بحثُ العقل البشري ؟