(2)
لماذا تحضرينني في تلك الفترة بالذات؟ ما بين السادسة والنصف والثامنة والنصف صباحا ، ربما لأن معرفكِ هو "صبح"؟
أو لأنكِ صافية مركزة الوجهة يمكنني فهمكِ في الصباح فقط؟ لستُ أدري
أو لأنني أمُرُّ وقت هرولتي الصباحية بحطام تلك الحورية القريبة من بيتي عند كل انطلاق وانتهاء؟
اقتربي سأريكِ إياها ..
تلك الضاحية أقاموها فوق أرض -كانت- زراعية ، لا زال ينضح طينها ماءا بريئا جريئا كلما حفروه عمقا ليزرعوا الإسمنت عوضا عن الفرح والغذاء والكساء.
هذه الجثة المتفحمة بالذات كانت لصفصافة ، وذاك الدرب الأسود ترقد تحته ذكرى عشيقها (ماء القناة) ، حينما قتلوه ناحت لاغتياله طويلا ، كان حفيفها يوقظ صاحب الفيللا من فراشه (الفايبر غلاس) كل ليلة ، في الصباح أمرهم بتقليم فروعها ، التي ما لبثت أن استطالت سريعا ، فقطعوا رأسها ، ثم جذعها ، ثم شقوها نصفين ، وفي كل مرة لم تفقد الأمل ، كانت تُنبِتُ للذكرى براعم فروع جديدة ، فما كان منهم إلا أن سكبوا فوقها الكيروسين ، وأحرقوها.
ماتت وهي توصيهم بالصبر والصلاة ، والأمانة ، والصدق ،
وحفظ العهد ، وجميل الأفعال .
أظنني بكيتُ للتو ، فهل فعلتِ ؟
تلك القتيلة باتت تسكنني ، تذكرني بكل رمز شامخ عطوف زرعتـُه في نفسي ، وروته أيدِ من ظننتهم على شاكلتي.
ذهـَبَت نفسي عليهم حَسَرات