أخي وصديقي الغالي حسين بن سوده
تحيه طيبه لك من قبل ومن بعد وبعد :
بقدر ما استغربت تهجمك الشديد على شخص الراحل محمود درويش رحمه الله , بقدر ما استغربت أيضا ً الاستماته من البعض بالدفاع عنه , فلنكن منطقيين بعض الشيء ولا يأخذنا الإنفعال إلى تكفير الرجل كما فعلت , ولا يأخذنا الدفاع عنه أيضا ً إلى تمجيده وتبييض أخطاءه وتأخذنا العزه بالإثم .
في البدايه فلنعد إلى مصطلح الشعر
الشعر حاله إبداعيه لا تخضع للمنطق , وفي ذات الوقت لا يبرر لنا عدم الخضوع للمنطق أن نذهب إلى الشذوذ في الشعر وفي المصطلحات , نعم أرى أن الكثير من مفردات محمود درويش خارجه عن المألوف وفيها ما نلحظ شذوذه بشكل مبالغ جدا ً به , ولكن هذا لا يعطيني حقا ً بأن أقوم بتكفيره , وبذات الوقت علي أن لا أقوم بالدفاع عن هذا الشذوذ بإحالته إلى اللعب على اللغه , نعلم جيدا ً أن المعنى الإصطلاحي يختلف عن المعنى اللغوي , ولكن لا يبرر لنا هذا الإختلاف أن نبالغ في اقتحام خصوصية الدين والعقيده تحت مصطلح يحق للشاعر ما لا يحق لغيره , أو المعنى في بطن الشاعر , أو الرمزيه , أو الاستعاره , هناك ما يتقبله العقل وهناك ما يرفضه العقل والدين أيضا ً , وكلا الأمرين واردين في نصوص درويش , لذلك فلنتعامل مع النص ولنترك أمر الشاعر لربه , فهو الآن بين يديه وهو أعلم به , هناك من يستخدم بعض المفردات اللغويه الدينيه أو الاقتباسات القرآنيه في الشعر ولكن بشكل مقبول دون شذوذ يترك مجال للتأويل في مسألة العقيده , قرأت الكثير من القصائد لأحمد مطر مثلا ً , كان يقتبس فيها آيات قرآنيه ولكن في غالبيتها كان المعنى المقصود ظاهرا ً جدا ً وإن غلفه ُ بكلمه أخرى لها خصوصيتها الدينيه مثل قصيدة " يوسف في بئر البترول " أو قصيدة " فبأي آلاء الولاة تكذبان " أو قصيدة " رثاء ناجي العلي " ومن الأمثله على ذلك هذا المقطع الذي يقول فيه :
عشرون عاماً والقضاء منزه ٌ
إلا من الأغراض والأهواءِ
فالدين معتقل بتهمة كونه ِ
متطرفاً يدعوا إلى الضراء ِ
والله في كل البلاد مطارد ٌ
لضلوعه بإثارة الغوغاء ِ
ففي هذا النص أعلاه حين ذكر لفظ الجلاله كان لمجرد الكنايه عن الدين , وهنا يقصد أن دين الله مطارد كونه متهم بإثارة الغوغاء , ولا تحتاج إلى لبيب لكي يقوم بشرحها مثلا ً , ولكن في بعض القصائد تجد الشاعر يستخدم لفظ الجلاله أو المصطلحات الدينيه بشكل رمزي مبهم لا يليق أبدا ً ويترك الباب مشرعا للتأويل , وهنا يكون الشذوذ أمرا ً غير مقبولا ً البته .
في النهايه كل ما أود الوصول إليه فلنكن منصفين ولنبتعد عن التعصب الزائد إلى أي طرف كان , ولنترك الشاعر ومسألة عقيدته وانتماءه ولننظر إلى النص ومصطلحاته , ولنأخذ ما نقبله ونترك عنا الشذوذ الذي لا يقبله العقل والدين , ولنترك الشاعر لربه هو أعلم به ِ منـّـا وأخبر .
من باب وذكر فإن الذكرى تنفع المسلمين إاليكم هذه ِ الباقه من بستان الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام :
عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك » . رواه مسلم
قال حدثنا ضمضم بن جوس قال دخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ مصفر رأسه، براق الثنايا معه رجل أدعج جميل الوجه شاب فقال الشيخ: يا يمامي تعال لا تقولن لرجل أبدا لا يغفر الله لك، والله لا يدخلك الجنة أبدا، قلت: ومن أنت يرحمك الله؟ قال أنا أبو هريرة قلت: إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله أو لخادمه إذا غضب عليها قال: فلا تقلها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كان رجلان من بني إسرائيل متواخيين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب فأبصر المجتهد المذنب على ذنب فقال له: أقصر فقال له: خلني وربي قال: وكان يعيد ذلك ويقول: خلني وربي، حتى وجده يوما على ذنب فاستعظمه فقال: ويحك اقصر! قال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو قال لا يدخلك الله الجنة أبدا. فبعث إليهما ملك فقبض أرواحهما فاجتمعا عند الله – جل وعلا – فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالما أم كنت قادرا على ما في يدي، أم تحظر رحمتي على عبدي، اذهب إلى الجنة يريد المذنب، قال للآخر اذهبوا به إلى النار، فوالذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته » [رواه ابن حبان في صحيحه].
« . . . وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم » [رواه الترمذي] .
قال صلى الله عليه وسلم: « إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب » [متفق عليه].
لك ودي يا حسين ولكل من مر من هنا واعذروني على الإطاله وكلي أمل أن نكف عند هذا القدر فيما يخص العقيده ولكم الود .