يثرثر بدر علي دائماً بوسوسته التعليمية
بل لم يعد مستغرباً أن يباغتك قائلاً :
(خلك واقف )
أو( انزل للوكيل )..!
أو أن تجد على جيبه العلوي آثار حبر أحمر وعلى يده بقايا قلم سبورة
كلها أعراض تعليمية اعتدنا عليها من أستاذ بدر ..
الأسبوع الفائت كنت على موعد مع ثرثرته لكنها مختلفة هذه المرة
بدا صديقي القديم باهتاً وأنا أسأله :
( عسى ماشر يبو مشاري )
أبو مشاري - ناديته مرة أخرى -
رفع عينيه اللتين اختبأتا خلف نظارتيه السميكتين :
( - سم
- أسألك أنا
- تدري اليوم كلفني المدير بالوطنية
مازحته :
- ساديا أرخص )
أحسست بكمية من (( البياخة )) لا ينزعها إلا فنجال قهوة يرتطم بجبهتي الصحراوية
تمالك نفسه وأردف:
( - التربية الوطنية يبن الحلال .. المادة
فضفض قائلاً وكأنه أمام قسيس بـ كنيسة :
أنا أدرس رياضه ولا أعرف عن الوطنية
إلا ماتعرف جدتي عن الإبستمولوجيا )
وكنت فيما مضى أهب لنصرة الأفغانيين والبوسنيين وجاري سعد يتضور جوعاً
ولا أعلم عن وطني إلا نشيده مع أني لا أحفظه تماماً
ولاأدري شيئاً عن الانتماء.. بل أذكر أني قهقهت عندما قرأتها للمرة الأولى
كون نطقي لها كان مضحكاً
ارتشف ماتبقى من فنجاله .. وأكمل :
المهم ياسيدي
أخبرني أبو سامي وهو مديرنا .. أن التكليف يرجع لنقص بمدرسي هذه المادة
استعنت بالله أو انصعت للمدير لايهم .. ووقعت على التكليف
لأصبح بعدها مدرساً (( اثنين في واحد )) ..
حملت كتابي الوطني ذو اللون الذي يبعث على التشاؤم
ورفعت جدولي المحشو بالحصص
حدثت نفسي :
أولى رابع .. حسنا ً
توكلت على الله وعلى حظي الجميل واتجهت للفصل
وحال ولوجي له هبّ الطلاب صارخين
( رياضه .. رياضه .. رياضه ..هيييييييييه..! )
صرخت بهم محاولاً إخماد ثورتهم :
( رياضه مين أنت وياه .. عليكم وطنية )
كتم عبدالله فهيد - أشد الطلاب رسوباً - ضحكته
: وبهيئته (( العربجيه )) وصوته الذي بدا بالغاً وخشناً :
( وش وطنيته يا أستاذ .. ها ها ها )
انفجر بعدها الطلاب ضاحكين
أصبح الموقف محرجاً وارتسمت على وجهي كافة ألوان قوس قزح
ولـ أتدارك ماتبقى مني صرخت :
(عريف ..
خلك واقف ولا أحد يتكلم لين أجي ..! )
تسارعت خطاي خارجاً من هذا الجحيم
نزلت للدور الأرضي متجهاً لغرفة المدرسين
مررت بطريقي فصل ثانيه أول
وسمعت صوت المعلم جهوراً أخترق جدار أذني
(( إزاً ياشباب أؤلنا أن النشيد السعودي
هوّا :
سارعي للمقد والعليا .. مقدّي لخالق السما
(( واخدين بالكم معايا )) ..!