\
تعب هي الكتابة، أذكر أنني قرأت نصاً لشاعر يدعى يوسف الشطي منذ زمن عبر مطبوعة فواصل الشعرية، جاء النص محشوراً في مساحة نشرٍ/ حشرٍ/ ضيقة، ولكنه لفت انتباهي إليه كثيرا، تساءلت حينها: لم هذا النص في غير محله؟ رغم أنه موشك على الإنفجار من فرط بذخ الشعرية والدهشة والإبهار؛ هذا العالم الذي يكتنزه الشطي بعاطفته العظيمة داخل النص.
:
بعدها.. تبين لي أنه أول نص ينشر لهذا الشاعر الشفيف عبر المطبوعة العزيزة فواصل، وكعادتي.. خطفته من ضمن النصوص القليلة التي تأسرني وتضطرني راضياً مرضيّ النفس لقطع المسافات الطويلة، وصولاً بهذه النصوص إلى أصدقائي القلة، أصدقائي المحملون حدّ العظم بهم الشعر، لا بِهَمّ القصيدة الشعرية فحسب.
:
مر الزمن.. وقرأت نصاً آخر ليوسف، ولكن هذه المرة عبر مساحة نشرٍ شاسعة، وجاءني الأصدقاء مهنئين ذائقتي لحسن نبوءاتها الوضعية الصغيرة في عالم القصيدة، وقالوا: ها قد صدقتك النبوءات أيها الصغير/ وصدقت بك!
:
كل هذه المقدمة أدونها كاستهلالٍ أو استدراكي لحدثٍ تلى مرحلة قراءتي لقصيدة (جناح أبيض) للرائع يوسف الشطي الذي التقيته قبل 5 أشهر من الآن تقريباً لأول مرة، أستدرك (ابو سلمان) حين استضافه تلفزيون الكويت في بداية الألفية الثانية على هامش مهرجان هلا فبراير، يومها كان هذا الشاعر البسيط/ العظيم يظهر لأول مرة أمام ناظريّ، وأدهشني حين أجاب على أحد الأسئلة العابرة ـ أعني أنه مستهلك أكثر من كون هذا النمط من الأسئلة عابراً ومكروراً ـ أجاب عليه بعمق آسر وخلاب، كان السؤال المطروح حسب ما تحفظ جيوب ذاكرتي بقايا ملامحه يقول: متى تكتب يا يوسف؟!.. قال: حين أصل ذروة الموت!!.. إجابة جعلت من مقدم البرنامج يبتسم بشفةٍ لا تخلو من سخرية تقبل الرد، ليسأل مرة أخرى: إنك مبالغ يا يوسف الشطي، لتسقط بعدها جلاميد يوسف من علِ ويردّ: أعلم ذلك، فمتى ما كنت وحيداً وغريباً ومتألماً ومحبطاً ومكسور الحنايا.. كتبت الشعر، وكل تلك الحالات ليس لأمثالك أخي العزيز (إشارة إلى المُحاوِر) أدنى صلة بها.. فقل إنني مبالغ، هكذا هو الحال!
:
لامار
إن مسألة تعبك في اختيار عنوانٍ يليق بهذا الوجع، هو قصيدة بعينها، فما بالك ونحن نمسك بهذا النص كمن يتمسك بالقشة الأخيرة أمام وجه الغرق يا لامار؟
:
يكفي أن هذا النص رتب لي الذاكرة، وأعادني بأناقتي المكسورة إلى زمن سواء السبيل، إنك يا نادية لا تملكين قلماً يجري فوق صفيح ورقة، بل هي غمامة بشِعة السواد، ألقت بالمطر بين أكف اليباس، ليصبح الربيع بائع أعياد، يطرق أبواب الحارة في الصباح الباكر، ليضع الورد بين أعين أمهات الجمر النّحّل!!.. فما أسخف من يتهم الغيم بالسواد البشع، وما أنكره لجميل لامار.
:
نادية
:
سنرتل هذا النص.. جرح الثلاثين الباكر، وعزلة القصيدة.. وأنا، وقتها يحين موعد الفجر المنشود.
شكراً لامار.. شكراً والعصافير تنبت قبل الأغصان بهجة بالدفء.
\