لماذا حينَ فتحتُ عينيَّ للمرّةِ ما بعدَ الأخيرةِ , لم أجد أصابعكَ تلتفُّ حولَ ضفائري و تحتضنُ خصلاتِ شعري ؟
هل كنتَ تكذبُ عليَّ حينَ قلتَ أنّ للموتِ رائحةَ الكرزِ و لونَ التّوتِ , و صوتَ البلابلِ الحزينة ؟
أم أنّ فرحي بقدرتي على الغيابِ عنكَ للمرّةِ ما قبلَ الأولى و أنتَ تبتسم , جعلَني أعجّلُ باغماضةِ قلبي و ما حانَ وقتُ الموتِ بعد ؟
كنتُ أستمعُ لنبضِ الرّعشةِ في يديك , كانَ اسمي يسري كتيّارِ أرقٍ يعبرُ مساماتكَ فتُمطرُ ماءاً بطعمِ الفرح ..
و كنتَ ترقبُ شفاهي علّها تُخبركَ بسرِّ صندوقِ الحياةِ الّذي طالما فتّشتَّ عنهُ في جزر عشقي لك ..
أتعلم ؟
أشعرُ أنّني لم أعد قادرةً على الموت , بعضٌ من نبضِ الانتظارِ ألهمَ جسدي دماً يعبقُ برائحةِ الأرضِ في نيسان ..
أشعرُ أنّ وردةً ستنبتُ في كفّي ,
و هنا عصفورٌ ينقرُ زجاجَ صدري و يخرج بجناحيهِ الصّغيرتين و بهِ رغبةُ الطّيرانِ حتّى عين الشّمس ..
و هناكَ زهرةُ نيلوفر تشقُّ عتمةَ وجهي و تتطاول بزهوٍّ فوقَ سطحِ الشّحوبِ , ثمّ تفتحُ بتلاتها و تحتضنُ طيرَ الفرحِ من صدري , و تغوصُ بهِ بسكينةٍ في أعماقِ الحلم ..
أتراكَ كنتَ تدركُ أنَّ رحيلي سيغمضُ عينيكَ حتّى عن يديّ إذ تشدُّان على معصمكَ و تنقلانِ بعضاً من آخر قوايَ المنهكةِ إليك ؟
أو كنتَ تعلمُ أنَّ رئتي المشحونة بدخّان الغياب , و شعبي الهوائية المتناهية في الاختناق , ستستطيع دفعَ وسادةِ الوجعِ عن وجهي و استنشاقَ صوتك من جديد ؟
لا زلتُ أحاولُ بذاتِ الإصرارِ أن أستقيمَ كوجعي و أن أجهلَ وجهي مقابلاً لكَ , موازياً لمرآةِ الضّوءِ إذ تعكسُ ذاكرتَك بي ,
لا زلتُ أحاولُ استيعابَ حلكةِ البياضِ من حولي , و هسيسَ البكاءِ في أذني , و صقيعَ الوحشةِ يغتالُ أطرافي و أنتَ معي !
لا زلتُ ....
و أستمعُ إلى تنهيداتِ التّرابِ المنهال على لقائي بك , أسمعُ انهمارَ المطرِ على أوراقنا و صوتَ اغتياله لحروفنا و انثيالهِ كسيلٍ حزينٍ في ذاكرتنا المشتركة ,
يجرفُ كلَّ طفلٍ صغيرٍ ولدَ في لهفتنا و رعتُهُ أيدي لقاءاتنا ..
أستمعُ و لا أرى .. لم أعد أرى , مُنذُ أن قبَّلتَ عينيَّ بأصابعك .. و كلّلتَ عنقي بصوتكَ ..
و أصبَحَ موتي مُدهشاً ..