.

باتجاه ليلى أحمد .
كل ذي عقل يعلم أن الكتابة فن وأن الكتابة رسالة وأن الكتابة أداة بناء وفي الوقت ذاته من الممكن أن تكون الكتابة أداة هدم. والكُتاب والكاتبات من خلال ما يُمنحون من مساحات عبر الصحف والمجلات لا شك أنهم على منبر إعلامي مُهم موّجه للقراء على حد سواء، فالجريدة والمجلة من طبيعتها أنها تتسلل بكل وضوح إلى المنزل ومكاتب الموظفين وللعمال في مصانعهم وللمحلات التجارية وركاب الطيارة والتكسي وباصات النقل...
عندما سألوا الكاتب التركي عزيز نيسين عن كيفية وصوله إلى هذه الدرجة المرموقة من الأهمية ككاتب قال: «كنت أحمل هم الناس كلهم في تركيا وخارج تركيا، حتى أولئك الذين لا يحسنون القراءة، كنت أكتب لأطرد من رؤوسهم الجهل والخرافات والدجل وأضع مكانها النور والخير والأمل، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً من الكِتابة شعرت بأن الناس كلهم في تركيا وخارج تركيا أصبحوا يحترمونني لصدقي معهم».
وعندما سألوا الفرنسي فيكتور هوغو عن سبب نجاح كتاباته عند الناس نجاحاً مدوياً قال: «كنت أكتب وأنا لم أنسَ أبداً ولو للحظة أن الكتابة شرف».
وعندما سألوا الكاتب الكوبي غبريال ماركيز عن الارتفاع الكبير لعدد نُسخ طبعة جريدته اليومية التي اشتراها من مالكها السابق من 14 ألف نسخة إلى 45 ألف نسخة يومياً أجاب: «لأنني كنت أسعى أن يصل النور إلى عقول الفقراء والبؤساء والعجزة والبسطاء وأهل الأرصفة...».
أما نحن في الكويت فبعض كُتابنا وكاتباتنا يسعون بكل صفاقة وقلة وعي ولا مسؤولية أن يستعرضوا مهاراتهم العظيمة والخارقة في نشر ثقافة الفانيلة والسروال المكسر! عبر سطور سمجة ليس لها في سوق الكتابة لا هرة ولا برغوث!
بعض كُتابنا وكاتباتنا يظنون أن الكلام في الملابس الداخلية وما وراء هذه الملابس شيء خطير جداً، اختراقه يُدوّن أسماءهم بالبنط العريض على جدار التاريخ الصحافي!
اليوم زميلة تكتب عن الفانيلة والسروال الرجالي المكسر، وغداً يطلع لنا زميل ثانٍ يكتب عن «البيبي دول» النسائي، وبعده تطلع لنا زميلة ثالثة تكتب عن «الخري» السروال الرجالي القصير، وبعدها يأتي زميل رابع مُغرم بالشلحة النسائية القديمة ويتغزل فيها بمقال طويل عريض، وتصير صحافتنا الكويتية سراويل وفنايل و«بيبي دول» وشلحات! وأي ثقافة وأي وعي وأي بطيخ راح نقدم للناس عبر صحافتنا للأسف؟
أقول للزملاء من صنف «السح الدح امبو» إن الأقلام أمانات، والقلم الذي ينقش ليس كالقلم الذي يُخرّبش، والوصول إلى عقول القراء وقلوبهم لا يكون عبر الإسفاف والتطرق لمواضيع جنسية لمجرّد أنها جنسية، كي يشتهروا ويذاع صيتهم، حسب ما يظنون وما علموا أنهم يتسابقون نحو الانحدار للأسفل!
يقول الأديب الروسي تولستوي: «على المرء أن يكتب فقط حينما يترك قطعة من لحمه في المحبرة، في كل مرة يغطي فيها الحبر قلمه». أي أن الكاتب عليه أن يشعر بأن سطوره التي كتبها فوق الورقة ليست إلا قطعة غالية من جسده، لا يرضى لها الرُخص والوضاعة والكلام غير الجميل، ويا ليت كُتاب الفانيلة والسروال يطبقون هذا الكلام .
.