سيدي صاحب الجلالة السلطان: لقد ارسيت ديبلوماسية عريقة في هذا البلد وكذلك نظام حكم فريد له خصوصية وطقوس يحترمها الكل, فهل هذه الطقوس هي طقوس الدولة الاموية ام العباسية, وهل تعتقد انها طقوس راسخة ومستمرة?
نعم.. لدينا خصوصية مجذرة وهي مستمرة واصبحت ديبلوماسية عريقة يحترمها الجميع والأمل انها داعمة مصداقاً لقوله تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. انها ديبلوماسية قائمة على الاحترام المتبادل.. احترام الصغير للكبير والثقة بالله وولي الامر, والكل يوقن بأن الديبلوماسية العمانية هي ديبلوماسية هادئة لا صخب فيها ولا نصب.
سيدي صاحب الجلالة السلطان قابوس: هل طموحاتك في بناء النهضة العمانية تحققت جميعها, ام ان هناك المزيد?
قلت لك في هذا الحديث ان النفوس اذا كبرت تعبت في مرادها الاجسام.. حتى الآن لا نشعر بالتعب.. امامنا الكثير من العمل.. طموحاتنا كبيرة وكثيرة.. لسنا امام نقصان, بل امام اكتمال.. لدينا الكثير الناهدون للعمل, فالشعب العماني الطيب اذا عمل عملا احسنه, وهذا ما يريح قلبي ويفرحني, لعل الله اراد بناء الخير, حيث مسار النهضة مستمر, وأُكلُها يعطي ثماره دائما.
سيدي صاحب الجلالة: ما سر ان عمان ليس لها خلافات مع دول الاقليم ولا حتى مع العالم.. الخلاف الوحيد الذي اتذكره كاعلامي عندما رفضتم مقاطعة مصر في مؤتمر القمة العربية في بغداد, وايضا عندما اختلف معك العرب لم ترد على انتقاداتهم?
ليس لدينا اي خلافات, وايضا نحن لا نصب الزيت على النار في اي اختلاف في وجهات النظر مع احد.. عندما اختلفنا حول مقاطعة مصر ذاك الوقت كان لنا وجهة نظر لم نفرضها على الآخرين, ولم ننتقد كذلك الآخرين على اجتهاداتهم, وتركنا للزمن الحكم على مرئياتنا ومرئيات غيرنا.. ليس لنا أي منغصات مع احد لا في الاقليم او خارجه.. نحن دولة سلام وحتى كما قلت انت في احد اسئلتك اذا ما غضبنا فإننا نغضب في صمت, والزمن كفيل بحل المشكلات, وكلام ربنا يقول: »ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم«.
سيدي صاحب الجلالة طالما ان: وبلادكم ليس لها عداوات ولا منغصات مع أي دولة في الاقليم والعالم... ألستم مهيئين للنصح فيما تواجهه الدول من منغصات فيما بينها?
تقصد اذا كنا قد قمنا بوساطات?.. نعم قمنا بوساطات كثيرة واخمدنا خلافات كثيرة وتحركنا ديبلوماسيا لاشياء كثيرة ايضا وكلها تمت من دون اعلان او اشهار ولكننا يقينا نعرف ان الذين سعينا لهم ونجحنا في مساعينا لاجلهم يعرفون ذلك ويقدرونه وهذا جل ما نريده ونتوخاه.. ولندع التاريخ يحفظ لنا ذلك عندما يكتب.
سيدي صاحب الجلالة: في عام 1998 كنت رجل السلام ومنحت جائزة السلام الدولية ومرت هذه الجائزة بهدوء ومن دون اعلان او ابهار ايضا... لماذا?
اخ احمد انت تعرف انني إذا كنت اكره شيئا فهو الابهار في الاعلام... أريد أن يأخذ كل شيء حجمه الطبيعي, ولكنني اعتز بهذه الجائزة كونها من كبرى المؤسسات الدولية العريقة, ومع ذلك اؤكد مجددا اننا في النهاية نعكس طبيعة بلدنا المحب للسلام.
سيدي جلالة السلطان: هل يريحكم الاطراء الذي يعكس حب الناس? وهل تسعدون به- فانتم بشر في النهاية?
صدقني انني لا احب الاطراء, فمن احبه الله حبب اليه خلقه, وانا بالنسبة لي, الاطراء الحقيقي هو ما اشاهده من عمل حسن عندما ارى اننا نعمل, وان نتائج عملنا مفيدة, والناس تحس بذلك.. هذا هو الاطراء الذي تتقبله نفسي, فلا وقت عندي إلا لسماع كيف يمكن ان نعمل بشكل افضل, وكيف نفيد الناس وكيف نفيد هذا الوطن, »وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون« واذا كان هناك, كما تقول, غضب صامت, فهناك ود صامت.
سيدي صاحب الجلالة: المؤسسات الدستورية العمانية التي راهنت عليها والتي هي في نظر البعض افضل من الديمقراطيات المستوردة.. هل هي افضل النظم السياسية ام ترى ان غيرها افضل?
افضل النظم السياسية هي المستمدة من خصوصيات الشعوب ومن تراثها وثقافاتها وارثها الاجتماعي والسياسي.. الديمقراطيات السائدة كنظم في دول كثيرة ممارسة منذ ثمانمئة سنة, ونجد ان اللغو هو السائد بين اصحابها .. نجد ان الخلافات في مجتمعاتهم تصل احيانا الى حد الاقتتال.. خلافات ونقاش وجعجعة بلا طحين.. لا اتهم الكل بالطبع ولكنني ارى ان النظام السياسي النابع من تراث وارث الشعوب وخصوصياته هو الاجدى.. القوانين تصدر لاسعاد الناس لا لإشقائهم.
نعم القوانين ضرورة للدول المتحضرة, ولكن لتكن قوانين من بيئة المجتمعات ولتكن رحيمة.. قوانين يسر لا عسر.. تخدم الناس لا ان تشدهم وتشل حركتهم وتدخلهم في دوامة تفسيرات وتضعهم امام مواقف عقيمة يجد المسؤول أنه مشلول أمام ممارسة مرئياته الانسانية, بعد ان يتقيد بمواد قانون قوية لا تصلح لجسد امته. لقد استنبطنا نظاما لمؤسساتنا الدستورية ينفع الناس ويريحهم وينسجم مع خصوصياتهم وتراثهم وثقافاتهم.. واعتقد اننا نجحنا عبر نظامنا ان نغلف القانون بأثواب ذات قياسات مريحة يجد فيها المسؤول القدرة على تطبيق الجانب الوردي وليس الجانب الأسود من القانون.
سيدي صاحب الجلالة: شعوب المنطقة وربما شعوب الشرق الاوسط وربما ايضا شعوب شرق آسيا تميل الى طقوس الحكم الملكي او السلطاني, وقد شعرت هذه الشعوب بالاساءة مع كل الثورات التي مرت بالمنطقة.. هل تعتقد ان فكرة الثورات قد فشلت.. وانها لم تعد ذات معنى ولن تتكرر?
هذه الشعوب ألفت نوعا من الحكم حتى في عقيدتها, ونحن شاهدنا أن أي شعب في أي مكان عندما يفقد الشرعية التي تحكمه يحتاج الى سنين حتى يستعيد ثقة العالم به, وذلك لان شرعيته الجديدة تحتاج الى وقت حتى تستعيد ثقة التعامل معها عالميا, ولا اعتقد ان العالم سيشهد شبيه ما شهده في عقود ماضية, عندما كانت الحرب الباردة في اوجها بين القوتين العظميين, فالوضع مختلف الآن والوعي ساد شعوباً كثيرة, والناس تتطلع الى من يوفر لها الاستقرار والازدهار والامان.
سيدي صاحب الجلالة: هل تعتقد ان المنطقة مقبلة على الحروب ام انها ستعيش في سلام?
عُمان - كما قلت لك - بلد محب للسلام, نبني علاقاتنا عبر المصالح المشتركة مع الجميع من دون ان نغبن او نُغَبنَ, وهذا ما وضع ديبلوماسية الدولة العمانية على الطريق الهادئ الصائب, فليست لدينا اي خصومة مع اي دولة في المنطقة, نعرف ان البعض لديه مصالح يريدنا ان نحترمها, وندرك ايضا ان لنا مصالح يجب على الآخرين احترامها, وعند هذا تتلاشى الخلافات.. كل ما اتمناه ألا يطل شبح الحرب على هذه المنطقة التي تعد عصب الاقتصاد العالمي وتستأثر باهتمام دوائر وصناع القرار باستحواذها على اكبر نسبة من النفط المخزون, وشعوبها لا تنشد سوى السلام.. نريد منطقتنا بعيدة عن كوارث الحروب.. نريدها تسير في مسار النمو وتتمتع بفوائضها النقدية, وان تنعم بالازدهار والاستقرار والتقدم, وكل ذلك يتأتى وفق معادلة سهلة مفادها ان نحترم مصالح الآخرين مثلما نطالبهم باحترام مصالحنا, وعندها لن تسمع الشعوب سوى ترانيم السلام.
اخيرا.. سيدي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد: لنفسك عليك حق.. ماذا تعطي لنفسك?
راحتي ليست في البعد عن العمل الذي احبه, ويقال: سعيد مَنْ هوايته مهنته. قلت لك سابقا: ان المنصب تكليف لا تشريف, ونحن اصحاب رسالة أحببناها.. اجد متعتي وراحتي في نهضة عمان.. انني عندما اشعر بمتاعب الروتين اليومية - هذا ان حدث - فإن متعتي وراحتي في التحرك الميداني, حيث اجوب الاقاليم واختلط مع الناس.. اعيش حياتهم واسمع شكواهم واتطلع الى مسار نهضة بلادنا وسرعة الانجاز فيها... هذه اعتبرها إجازة, وراحة كبرى للنفس, كما انني لا اشكو من حاجة ولله الحمد.. هذه البلاد وشعبها وفروا لولي الامر كل ما يريحه لإكمال رسالته.
وأخيراً أخ أحمد دعني أسألك عن الاخوة في الكويت: كيف حالكم?
قلت لجلالة السلطان: إنك تطل علينا وتعرف أحوالنا...
ابتسم جلالة السلطان وقال: تحياتي إلى أميركم الصديق العزيز وإلى شعب الكويت الذي يحبنا ونحبه.
انتهت المقابلة التي دامت أكثر من ساعتين, وأعترف كإعلامي أنني كنت أمام رجل يضع تجاربه أمامي.. يتحدث عن فلسفة حكم الشعوب وكيف يجب أن تكون ويضيف إليها نتائج هذه الرؤى وهي نتائج يلمسها كل من تطأ قدماه أرض سلطنة عمان.