منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - .. بالغيب
الموضوع: .. بالغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2008, 11:00 PM   #1
ابراهيم سلطان
( كاتب )

افتراضي .. بالغيب


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

قصة قصيرة جديدة من كتابتي .. أتمنى إنها تنال إعجابكم

.
/
.

رغم أصوات منبهات السيارات ، و رغم أضواء الرادارات التي تلتقط صور سيارته ، و رغم الشتائم التي تصل لمسامعه من بعض رواد الشارع .. إلا إنه لم يكن هناك شيئاً يوقفه .. أو بالأحرى لم يكن هناك شيئاً يوقف حزنه المتدفق .
كيف ترفض هذه اللجنة الغبية بعثته لجامعة هارفارد ؟ كيف سمحت لهم ضمائرهم بذلك ؟ فقد جد و اجتهد و سهر الليالي ليحصل على البعثة .. و في النهاية تأتي هذه اللجنة و تحطم حلمه الجميل بكل سهولة ..
كانت نسبته تؤهله بقوة لدخول الجامعة ، كذلك بعض الدورات التي حصل عليها ، فقد كان محباً و شغوفاً بالعلم .. و لو إن أحداً سأله عن هوايته لقال : جمع الشهادات .. (( على غرار جمع الطوابع !! ))
حينها بكى حسن .. أجل بكى .. و من يلومه ؟ من يلومه و هو يرى أقصى أمنياته تدفن في قعر لا يستطيع الوصول له إلا بحدوث معجزة .. و لكن زمن المعجزات انقضى و ولى .. و لم يعد له أثر سوى في القصص و الروايات الخيالية ..
تلقائياً أوقف سيارته أمام أحد الفنادق الشهيرة بالدوحة ، فقد أصر جسده أن يأخذ قسطاً من الراحة .. و لا مفر من ذلك .. نزل إلى الفندق و هو مثقلاً بالأحزان التي يستطيع قراءتها كل من ينظر في وجهه .. دخل أحد المقاهي في الفندق و طلب كوباً من القهوة .. و لم يكد يعدل من جلسته إلا و فتاة جميلة .. بل آية من الجمال .. تجلس أمامه.
لو إن أحداً من شباب الـ " ستي سنتر " كان مكان حسن ، لشعر بفرحة لا تعادلها فرحة و سيشعر بأن الحظ ابتسم له بهذه الفريسة التي يبدو عليها سهلة جداً ، و لكن حسن .. أمام جمال الفتاة و حسن منظرها .. شعر باشمئزاز شديد منها ، لم يعرف لماذا و لكنه أحس و كأنه سيتقيأ !
ابتسمت الفتاة بخبث و تكلمت بطريقة تثير الاشمئزاز أكثر في نفس حسن .. " تبدو حزيناً و مثقلاً بالهموم .. سأنسيك همومك و أحزانك مقابل ثلاثة آلاف ريال ، و هو سعر المبيت معي لمدة ليلة" .. أجل هذا ما قالته تلك الوقحة و هي تساوم على أغلى ما تملكه الفتاة بمبلغ من الريالات !!
لم يملك حسن سوى أن ينظر لها باحتقار شديد ، و أن يترك المكان لها و يخرج .. وسط دهشة تلك الغبية بأنه رفض جمالها و جاذبيتها .. و لم تدري إنه ينتظر ما هو يفوق جمالها آلاف بل ملايين المرات لدى رب لا يضيع عباده المتقين .
ركب حسن سيارته و قصد المنزل ، و في طريق العودة كان الحزن لا يزال يعتريه بسبب الجامعة و لكن رغم الحزن .. كان هناك نشوة و سعادة تسللت لقلبه بسبب موقفه .. فقد أصبح من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. و شعر بنفس الوقت بالأسى على تلك المومس التي تبيع شرفها مقابل أموال ستنقذها من فقر و عذاب الدنيا و لكنها لن تنجيها و لو مثقال ذرة من عذاب الآخرة الشديد !!
وصل حسن للمنزل ، فتح الباب ، و ما إن هم بالدخول حتى سمع صراخ والدته و هتافها و زغردتها .. تفاجأ !! كيف لها أن تفرح و قد دفن حلم ولدها بنفس اليوم ؟!
اتجهت والدته نحوه .. كان وجهها مبللا ً بدموع الفرح .. خاطبته و صوتها يشق طريقه وسط الدموع : مبروك يا حسن .. مبروك يا بني .. لقد اتصل بالمنزل مسئول من لجنة قبول الطلاب و أخبرني بأنه قد تم قبولك للبعثة !!

... عندها ابتسم حسن ابتسامة واسعة .. فقد تذكر قوله تعالى : " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير " ..


(( ربما كان هذا جزاء حسن على تعففه ، فقد عاد حلمه ليفرحه.. و ها هو حسن يرسم آمال و أحلام سيحققها خلال فترة دراسته و بعدها .. كان هذا جزاءه في الدنيا .. فيا ترى ماذا ينتظره في الآخرة من رب يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها ؟! ))

 

ابراهيم سلطان غير متصل   رد مع اقتباس