منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - أوَ حقاً رحلت!
الموضوع: أوَ حقاً رحلت!
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2008, 12:16 AM   #1
سعد الميموني
( كاتب )

الصورة الرمزية سعد الميموني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 18

سعد الميموني غير متواجد حاليا

افتراضي أوَ حقاً رحلت!


كنتُ جالساً في ظهيرة يوم الخميس أشاهد تبعات أحداث الثلاثاء الأسود ، كانوا دائماً يعيدون في التلفزيون صورة البرجين و الدخان يتصاعد منهما ، مررتَ من أمامي و سألتني هل أريد شيئاً ؟
أخبرتك أني أريد سلامتك فقط و قلتُها لأنه روتين نتبعه !
أخبرتني أنك ستعود متأخراً لأنك ستذهب الى منحلك ، مع أحد أصدقائك .
قبل صلاة العصر كنت أتمشى بجوار البيت ، و اذا بعمتي تركض نحوي باكية مولولة ، تصرخ :
ألحقوا على أبيكم لقد تعرض لحادث سير !
توجهت أنا و أخي و عمي الى المستشفى الذي وضعوك فيه لم يسمحوا لا لي و لا لأخي بالدخول لرؤيتك ، سمحوا فقط لعمي
مكثوا قرابة عشر دقائق ، هدني القلق خلالها ، كنتُ أتوقع في أسوأ الحالات أن تصاب بشلل ، و كنتُ أبكي و أنا أتصور أني سأطعمك لأنك ستعجز عن الأكل ، أو سأدفع كرسيك المتحرك لأنك لن تستطيع الحركة ، لم يذهب تفكيري الى أبعد من ذلك ، لم أكن لأسمح لتفكيري أن يذهب الى أبعد من ذلك !
بعد دقائق الألم و القلق ، خرج عمي الذي رباك ، و حرص عليك ، العقيم الذي كنتَ تقول : لا أريدكم أن تطيعوني ، و أطيعوا عمكم ، فهو أبٌ لي قبل أن أكون أباً لكم !
خرج الشيخُ يبكي، و لأول مرة أرى دمعته ، خرج يبكي و أشاح بوجهه عنّا ، مرّ كأنه لا يعرفنا !
أتى الّي أحد أصدقائك ، أحد أبناء جماعتك ليخبرني : أنّ لله ما أخذ و له ما أعطى ، أن كلُ من عليها فانٍ ، و سأل الله أن يؤجرني في مصيبتي .
قلتُ له : مات !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فجاوبني : اِن لله ما أخذ و له ما أعطى ، أدعوا له بالرحمة .
و الله ما بكيتُ لحظتها ، و الله ما صرخت ، و الله لم أقوى على فعل شيء ، فقط سقطتُ على الأرض لا أنا بالواعي ، و لا بالفاقد لوعيه .
أوَ حقاً رحلت ، لم أستوعب ، و لن أستوعب أبداً ، لأن العالم كله لم يعد كما كان يوم كنتَ جزءاً منه !
لأن الاسلام لم يعد كما كان يومَ كنت أحد الأحياء الذي يشهدون بوحدانية ربهم .
رحلتَ ، جسد أبي ، لكنك لم ترحل ، و الله أني أراك في عيني أمي التي لم يجف دمعها الى اليوم ، رغم مكابدتها في اخفائه .
و في عيون أخوتي ، المنكسرة ، أراك في ذكرياتي معك ، يوم أن أعطيتني 1000 ريال ، لأني حزتُ الأول بين زملائي في الصف الثالث متوسط .
أراك في ذكرياتي يوم أن علمتني قيادة السيارة
أراك في ذكرياتي يوم أن أعطيتني عشر ريالاتٍ ، لأنك عدتَ من مشوارك فرأيتني راجعاً من المسجد ، و كنتُ الوحيد بين أخوتي الذي صلى تلك الصلاة في جماعة ، فأعطيتني و لم تعاقبهم فقط حرمتُهم!
أراك في ذكرياتي يوم كنتَ توقضنا لصلاة الفجر ، كنتَ تردد أنشودتك التي تعلم أننا نكره سماعها في ذلك الوقت ، و كنت ترشنا بالماء أحياناً اذا لم نتجاوب معك .
أراك كثيراً أبي ، لم ترحل ، الا عن من لا يحسنون الرؤية .
أسموا ثلاثاءهم أسود .
أما أنا فالأسود بالنسبة لي هو يوم الخميس .
سألتني ان كنت أريد منك شيئاً ، فأجبتك : سلامتك.
كنتُ أحتاجها كثيراً .

لم يمتلئ بيتنا في حياتي كما امتلأ أيام العزاء فيك ، و الله لقد جاؤوا من خارج قريتنا ، شيوخٌ يبكون لا أعرفهم و لا أظنهم يعرفوني ، و مع ذلك بعضهم ضمني اليه بحرارة
هي حرقته على فراقك ...

ست سنين ، مضت على رحيلك أبي ، و سبعة عشرَ عاماً قبلها قضيتُها معك ، سبعة عشرَ عاماً تكفي لأني تجعلني أموت بعدك و أنا حي ، فلا حياة في الحياة بعدك .






رحمك الله يا أبي ، و جمعني بك في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر

 

سعد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس