منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-26-2025, 04:37 AM   #54
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


ولما همّ فهمان بالكلام استوقفه مهدي وهو يشير بسبابته وقال كالمستدرك: «آه، لقد ذكره لي من قبل العلماء الذين أتوا للعمل على المصادم فور أن قابلوني.»
لم يكترث فهمان بقول العلماء فيه، وإنما دخل في الموضوع مباشرة وذكر له سبب طلبه ألا وهي رغبة كاجيتا في صنع قنابل الثقوب السوداء من أجل تدمير العالم.
تفاجأ مهدي بكلام فهمان، وتدارسه جيدا فيما بينه وبين نفسه، وقرر في مكامن نفسه أن ينتهزها فرصة من أجل إنقاذ فلسطين من أنياب الصهيونية العالمية، كما قرر تحويل مصر لإمبراطورية تحكم العالم رغبة في رفع جباه المصريين التي لطالما مرغت في الرغام وداستها أحذية اليهود الغليظة وحلف الناتو على مدار قرون طوال، وكانت عصيهم الغليظة مسلطة على أدبار وأقدام المصريين والعرب عموما ولاسيما دول الخليج.
رفع سبابته في وجهه وقال له بشغف ورجاء: «فهمان، بل أنا أرجوك أن تصنع لي هذه القنابل، أتوسل إليك يا ولدي.»
نزل طلب الرئيس على قلب فهمان كالصاعقة، وظلّ يتساءل في نفسه: ماذا يريد الرئيس منها؟ إن من يملك تلك القنابل سوف تدفعه للطغيان.
وآثر فهمان ألا يصنع لأحد تلك القنابل، ولذلك قرر أن يماطله لا أن يرفض طلبه رغبة في تحقيق أمنيته ويحقق طلبه ويطرد كاجيتا.
أثناء ذلك كان مهدي ينظر إلى ملامح وجهه، وتفرسه جيدا بل وأوغل في جوارحه وتأكد أن فهمان لن يصنع له ولا لغيره هذه القنابل، ففكر أن يفصح له عن مراده بيد أنه فضل إرجاء الأمر حتى حين.
قال فهمان أخيرا: «أمهلني بضعة أيّام فقط، فأنا غير متأكد أني سأنجح في صناعتها.»
- «خذْ راحتك خالص.»
- «وماذا ستفعل فيما رجوتك إياه؟»
- «لا أستطيع أن أردّه، فنوغر صدْر اليابان وأمريكا علينا، وأنت تعلم أنه ليس من حقي أن أمنع أحدا من العمل على المصادم، كما أن فعل كهذا ليس في صالح الخزينة المصرية. لكني لدي حل يريحك ويريحني.»
قال فهمان مندفعا: «ما هو؟ أخبرني.»
أجابه: «لتكن أنت أسبق منه، فكما يقول المثل"اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك" فهمان اصنع قنابل الثقوب السوداء وسلمها لي وأنا على استعداد أن أطأ دولة مثل أمريكا تحت قدمي.»
تبودلت ملامح فهمان وحملت ملامح جديدة، ملامح الخوف، فقد كان خائفا من كاجيتا، والآن تضاعف خوفه بعد أن تأكد فهمان (بحسب معتقده) أن الرئيس يود القنابل من أجل أن يتحكم في مصائر العالم.
قال فهمان: «إن شاء الله.»
قالها وانصرف.
بعد انصرافه قال مهدي لنفسه: لن أستطيع أن أغير ما برأسك يا ولدي، فإن كان جاك حملك مسئولية ما سيحدث للعالم لو امتلك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فأنا أحملك أيضا إهدار فرصة أن تعيش مصر بعزة وشرف، وكذلك فلسطين.

***

مرض فهمان

عاد فهمان من القصر الرئاسيّ إلى المصادم مباشرة، واختلى بنفسه يُفكّر في أمر قنابل الثقوب السوداء.
حدق بجهة الغرب، وطفق يرددَ على مسامعه محادثته مع جاك، ولاسيما تحذيراته بشأن خطورة كاجيتا على العالم، وما نسي أنه أمره بإغلاق المصادم (FFC-2) من شدة خطورته، وإلا يفعل فسيحمله ما يحدث للعالم على إثر تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء.
وضع كلتا يديه على رأسه وتوعد نفسه بالويل والثبور، ثم أخفضهما باسطي كلتيهما تلقاء عينيه، ينظر لإحداها تارة، ثم ينظر إلى الأخرى ويحادث نفسه: يا ويلي بما قدمت يداي.
نظر إلى مقصلة كانت معلقة في الحجرة، وأقدم عليها، أنزلها. توقف لحظة وتذكر توسل الرئيس مهدي -الذي يحبه- إليه بأن يتغدى بكاجيتا قبل أن يتعشى هو به، وقال همسا والدموع تنهمر من محجري عينيه: ثمة فرصة نجاة، أصنع القنبلة وأهديها للرئيس مهدي فيجنبنا حقد كاجيتا وجنون رئيس وزراء اليابان.
صمت لحظة يتدبر أمر ما قال ثم همس مجددا: لا لا، إن مهدي قال: فهمان اصنع قنابل الثقوب السوداء وسلمها لي وأنا على استعداد أن أطأ دولة مثل أمريكا تحت قدميّ.
عاد ونظر إلى المقصلة مرة أخرى ورفعها في الهواء وهو يقول: لابد أن تودع العلم وتنساه، فأنت يا فهمان الذي سعى بكل جوارحه لإنقاذ البشرية هو من سيكون السبب في هلاكها.
ولما همّ بقطع كلتا يديه خُيّل إليه بأن أباه يدق أذنيه بقوله: يا فهمان يا ولدي، لابد أن تعبر الجسر، كيف تعبر مبتور اليدين!
فألقى بالمقصلة وهو ينادي صارخا: أبتِ، أين أنت؟
أبتِ العالم سوف يفنى بسببي، أين أنت؟ كم أنا محتاج إليك يا فطين المصري.
واستدار فجأة وهو يقول: الجواب، الجواب.
وظل يبحث عنه في حجرته مع أنه يعرف مكانه، لكن عقله قد طار في رياح عاتية.
فلما يئس من العثور عليه، اندفع نحو الباب راكضا، تعثرت إحدى قدميه في ركن من أركان الجدران فوقع وشجّ رأسه، لم يضع يده على موضع الشج كما يفعل أي إنسان وإنما ركض ولم ير الدماء التي تنزف من رأسه.
ظل راكضا حتى استقل المصعد الكهربائي وهبط به، فتح باب المصعد وركض حتى وصل إلى الموضع الذي تُجرى فيه تجارب المصادم وظل يحدق به.
رآه بعض العاملين بالمختبر (FFC-2) فسعوا إليه هلعين ولاسيما حرسه الخاص، ولكنه نهرهم ودفعهم بكلتا يديه وهو يصرخ بهم: دعوني، لابد أن أسحقْ بدلا من البروتونات التي تتصادم.
فهمان سيتسبب في دمار العالم، فدمروني، دمروني ليستريح العالم من شري.
وبكى صارخا واضعا كلتا يديه على وجهه التي تسربلت بدماء رأسه.
أنزل يديه ونظر إلى الكاشف الذي تمكن من رؤية الجرافيتون، فخيّل له أنه (الجرافيتون) يأخذ الناس ويخفيهم خلف بوابة بُعدية، وهي بوابة الجحيم، هكذا رأت عيناه ما خُيّل له. كما تخيّل كاجيتا وهو يخرج لعابه له ويضحك ضحكاته المعهودة عنه وهو يقول له: لا تلعب أيها الغلام مع الكبار.
شعر فهمان بالعجز، ولم يطق المشهد ففر من المكان واستقل أحد المصاعد ليخرج من المصادم ويذهب إلى أبيه، آنذاك كان حرسه يتبعونه خوفا عليه.
فور أن خرج من المصعد ركض نحو تمثال أبيه المجنح.
ظل ينظر إليه -بينما حرسه آثر أن يرمقوه عن كثب- وجناحا أبيه يرفرفان في كافة ربوع المكان، ومع ذلك خُيّل إليه أنهما انفصلا عن جسده وخرا على الأرض.
فأحدثا صوتا كالصواعق، فجعل أصابعه في أذنيه حذر الموت.
فتدمرت نفسيته تماما لأنه أحس بأنه فقدَ السند الذي لطالما يقف بجانبه، في حياته، وبعد مماته بأثر أقواله التي جعلته بطلا خلد ذكراه التاريخ تخليدا فاق زعماءً كبارا في مصر كسعد زغلول وأحمد عرابي.
فأحسّ بألمٍ مفاجئ في الظهر، وتنميل في أطراف الجسد، و سدمتْ عيناه فأصبح يرى كلّ ما حوله كالضباب، وتصبب العرق من رأسه وجبينه وامتزج ببعض دماء رأسه، ولم تعد قدماه تحمله فخرّ مغشيًا عليه نتيجة حالة شلل نفسيّة أخرى كالتي جاءته من قبل حال العرض التقديميّ لرسالة الماجستير بجنيف.
لم يتمكن حرسه من إسناده قبل الوقوع، وسرعان ما حملوه إلى أكبر مستشفى بالوادي الجديد وأُجريت عليه الفحوصات وتبيّن منها أنّها النوبة القديمة قد عاودته تحت تأثير نفسي هائل جدًا.
***
جاء خبر فهمان إلى كاجيتا وهو في مرقده فقال في نفسه: يبدو أن الفتى عرف أكثر مما ينبغي له أن يعرف، فتبول على نفسه، لكن لا بأس يا فهمان، سترى أينا أسبق من الآخر، عبورك المزعوم أم خسف أمريكا بكلتا يدي هاتين (وظل يحدق بهما).
لن تصدقني لو قلت لك إني أريد أن تعيش وتتعافى لترى أينا أشد علما وأحسن مقيلا وأرفع يدا.
وفجأة نادى على رفاقه، فأقبلوا يردف بعضهم بعضا، فلما انتصبوا تلقاء وجهه قال لهم: «غدا نبدأ عملنا، غدا نحكم قبضتنا على هذا العالم فتأهبوا، فقد بوأت لكم منازل تليق بكم.»
***
انتشرَ خبر مرض فهمان على الفور عبر الصحف ووكالات الأنباء، وتضاربتْ الأنباء حول إمكانيّة شفائه، لدرجة أنّ صحيفة من الصحف العالميّة قالت: لو مات هذا الفتى فسوف يعود الشعب المصريّ ليحيا في الجحور والكهوف والخيام من جديد.

***
بينما الرئيس مهديّ قال في نفسه لما وصله الخبر: رحماك يا رب بولدي، لقد طُحن بين المطرقة والسندان، ما كان يجب علي أن أطلب منه صناعة قنابل الثقوب السوداء ونفسه تتوجس شرا من كاجيتا الشيطان بسبب تلك القنابل.

***

وصل الخبر إلى جاك وهو قائم على تصميم جهازه الشامل ومحطات الليزر القمرية في وكالة ناسا، فخر على الكرسي منهدا، بل مندكا كالجبل، وشعرَ أنّ نصفه قد انفصلَ عن جسده، وهمس: يلطف بك الرب يا صديقي وكل أهلي، سوف يتعثر العالم بدونك، ويتخبط بلا هدى بدونك، فأنت دليلهم يا معجزة الفيزياء النووية. وايم الله لم يجد الزمان بمثلك أبدا، فأنت حالة لن تتكرر.
وظلت يداه ترتعشان. وفجأة تلفت نحو هاتفه، تناوله واتصل برقم فهمان، الهاتف مغلق.
فخرج من وكالة ناسا متوجها نحو المطار وحرسه في إثره.
قابله رئيس ناسا وهو يعلم مسبقا بالخبر فقال له: «لن يفيده ذهابك إليه، فابق حيث أنت فالعالم في أشد الحاجة إليك.»
فدفعه جاك وهو يقول له: «بدون فهمان لن يستطيع العالم أن يعيش بأمان، فلابد أن أكون بجانبه لأن العالم في أشد الحاجة إليه كما قلت يا سيادة الرئيس.»

***



فرصة ذهبية
من رواية قنابل الثقوب السوداء
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
لم يجد كاجيتا فرصة سانحة أفضل من هذا الوقت الذي يقبع فيه فهمان في المستشفى ما بين الحياة والموت لا حول له ولا قوة.
لذلك هب منتفضا وتواصل مع فريق عمله -آنذاك، كل واحد منهم يقيم في حجرة منفصلة من حجرات المصادم الكائنة فوقه- ليستنفرهم على التأهب لخوض التجارب على المصادم FFC-2 . فلما تلاقوا داخل المصادم وهم على أهبة الاستعداد نهض منهم ناكامورا -وهو أبرز أعضاء فريقه- وقال: «نفسي فداء لليابان، ولن أترك حق بني وطني ولو مر عليه ألف عام، فإن لم أستطع الثأر ففي ظهري نسمات تخرج منه تعرف كيف تثأر لأجدادهم.»
قال كاجيتا في نفسه: لم أخش على مستقبل اليابان أكثر منك يا ناكامورا، فأنا أعرف حجم تطلعاتك التي كادت تلامس السحاب.
واصطفوا صفا، وكاجيتا واقف أمامهم، وطفقوا يزفرون ويشهقون بأريحية تامة؛ بينما خبراء الفيزياء يرمقونهم عن كثب.
ولج كاجيتا باب المصادم الرئيس، استقر في مكان ما وأمر كل واحد من فريقه بالوقوف في مكان مناسب.
وفجأة جاء واحد يبدو أنه مصري وقال: «سيدي كاجيتا، رئيسك يخبرك أن المصادم ملغم بأفراد المخابرات المصرية والأمريكية والروسية والموساد، فضلا عن أن هذه الدول أرسلت فيزيائيهم أيضا ليسلطوا أنظارهم عليك. يقول لك خذ حذرك.»
قال كاجيتا له: «اذهب أنت، فإن كاجيتا لا يعجزه شيء، لا في مكاننا هذا ولا من يسكنون خلف ثقب سحابة أورط.»
وظل يسترق النظر فيمن حوله، وقال همسا وهو يتأفف: تبا للخيانة والعمالة، كيف يخون هذا المصري وطنه من أجل حفنة دولارات! يبدو أن رئيس وزرائنا أغراه من أجل بناء إمبراطوريته الكبرى، عامة لا شأن لي بهذا الأمر؛ فشأني هو ثأر أجدادي.
صمت لحظة ثم عاود وقال همسا وهو ينظر إلى الخبراء الذين ينتظرونه لإجراء التجارب: سأعرف كيف أجعلكم تفرون من الصياد أيها الهداهيد، لكن في الوقت المناسب، أنتم بالنسبة لي كالذباب إلا فهمان الذي يصارع الموت.
توقف فجأة عن الهمس وتسمر مكانه وهو ينظر تارة تلقاء مدخل المصادم الرئيس مع أنه لا يراه، وتارة أخرى إلى صحيفة ملقاة على الأرض. ذهبت الدماء من وجهه، بعد لحظات قال همسا: «جاك.»
ورفع صوته بها شيئا فشيئا حتى وصل حد الصراخ الذي ينم عن الغضب الممزوج بالخوف.
والسبب أنه قرأ في الصحيفة خبرا يقول: فهمان المصري بين الحياة والموت، فهل يدركه جاك الأمريكي قبل أن يودع الحياة؟»
وأسفل الخبر لم يكن ظاهرا بسبب وجود صحيفة أخرى تغشاه.
فدهش الحاضرون حتى إنهم نظروا تلقاء ما ينظر كاجيتا ما بين النظر في الصحيفة ووجهة الباب.
فأقبل إليهم واحد من جهة ما ينظرون لكن وجهة الباب فقط، نظر إليه ناكامورا بحنق وهو يتمتم وجسده يرتعش: «جاك، لماذا جئت هنا؟»
فانتفض جسد كاجيتا، وهو إذ ذاك كان يركز نظره على العنوان المخط في الصحيفة، أما بقية الحاضرين فقد ألجمتهم الدهشة بسبب رعب كاجيتا وتفجع ناكامورا بدون سبب.
أقبل كاجيتا على الصحيفة، ورفعها من الأرض، ونظر أسفل الخبر وقرأ فيما قرأ أن جاك سيصل مصر خلال 24 ساعة.
فتنفس الصعداء ولاسيما بعد أن سمع -دون أن يرى- الحاضرين وهم يرحبون بالخبير الذي ظنه ناكامورا أنه جاك، وكان يقول في نفسه قبل لحظات من الترحيب: لو أدركني جاك وأنا هنا فلن أستطيع أن أصنع قنابل الثقوب السوداء.
أقدم عليه ناكامورا وهمس في إحدى أذنيه: «سيدي كاجيتا، هل يعلمون بأمر الثقوب السوداء؟»
أجابه بصوت لا يسمعه إلا هو بعد أن ازدرد ريقه بصعوبة بالغة منذ لحظات: «لا أظن أن أحدا يعلم بالأمر إلا الرئيس مهدي وجاك، لذلك أرسل مخابراته وعلماءه من أجل القبض عليّ حال الوصول إلى شيء، أما المخابرات الأمريكية أولئك الأنجاس فقد جاءوا ليحموني.»
قال كاجيتا وهو ينظر إلي فريقه: «هيا إلى موضع إجراء تجارب التصادمات.»
قال أحد أفراد فريقه: «سيدي، نعمل أمامهم فيفتضح أمرنا، ألم تقل منذ قليل بأنهم هداهيد ويجب أن يفروا مذعورين؟»
أجابه: «يا أبله، إن أمرنا مفضوح من مشارق الأرض حتى مغاربها، وما حان الوقت لتفر تلك الهداهيد مذعورة.»

التجربة الأولى لكاجيتا:
انضم أكبر خبراء الفيزياء النظرية إلى كاجيتا وفريقه لرصد تحليلات كاجيتا.
دُفع بحزمتي البروتونات من المسرع ليناك (4)، وتصادمتْ كالعادة بعد عشرين دقيقة من تسارعها في مجريي أنبوبي المصادم، ورصدتْ الكواشف المتطورة تفكْك البروتونات من كواركات وبوزونات وبقيّة الجسيمات المتحللة قبل أن تلتحم مرّة أخرى في جسيمات مستقرة.
وأُرسلت البيانات عبر شبكة الحوسبة إلى معظم أنحاء العالم، وقام كاجيتا بنفسه من تحليل بيانات المصادم على أهمّ الكواشف المتطورة من بينها أطلس ومتعقّب الألياف الضوئية SciFi.
التف الخبراء حول كاجيتا عند إقباله على رصد بيانات المجسات، قال كاجيتا: «هذه جسيمات جديدة يا سادة لم تُكتشف من قبل بفضل طاقة المصادم الخرافية (500 تيرا إلكترون فولت، والمصادم الحالي في سرن لا يمكنه استخدام عُشر معشار هذه الطاقة) ويجب علينا دراستها وتحديد كامل خواصها الفيزيائية والكيميائية.»
قال أبرز الخبراء له: «أكثر هذه الجسيمات رصدها فهمان من قبل ونحن عاكفون على تحليلها منذ هذا الحين.»
حدق كاجيتا به وقال ممتعضا: «ولماذا لم يحللها هو؟ أيها البلهاء، كاجيتا ليس كفهمان ذلك الغر المغرور.»
أظهروا ملامح الامتعاض من قوله بسبب إنكارهم لأقواله.
كره كاجيتا ما رمقه في وجوههم، صمت لحظات ثم قال: «دعونا من تلك الجسيمات، كل ما يعنينا منها هو إن كان الجرافيتون منها أم لا.»
قال أحد الخبراء: «فهمان رصده من قبل، لكنه لم يشأ أن يمسكه.»
قال كاجيتا منتفخا كالطاووس: «قل لم يعرف طريقة لأسره، وأنا سأسترقه.»
ثم ما لبث أن عزم على إجراء خوارزميات متعددة ليصل إلى الجرافيتون.
وبتطبيقها تـأكد من وجود الجرافيتونات من خلال إحصائه قبل هروبها.
قال كاجيتا: «الآن يا ناكامورا تأكدت أنه كان في التجربة السابقة، ذاك الملعون الذي حيّر خبراء الفيزياء منذ عقود طوال.»
حدق الخبراء به، قال أحدهم: «هل لنا أن تخبرنا كيف طبقت هذه الخوارزميات؟»
قال كاجيتا بامتعاض وهو يمكر بهم: «سأخبركم فيما بعد، لكن اعلموا أن الجسيمات كلّها بلا استثناء تتحلّل من نتيجة ارتطامات البروتونات ثمّ تستقر بعد ذلك بتجميع نفسها من جديد إلّا الجرافيتون، فالجرافيتون يتحلل من البروتون لكنّه لا يتجمع في جسيمات مستقرة أخرى، بل يهرب من غشائنا الكونيّ ليدخل غشاءً آخر له أبعاد وسمات أخرى.»
انفجر ناكامورا من الضحك بعد أن حاول أن يسيطر على نفسه مرارا فلم يستطع.
نظروا إليه جميعا وعلى وجوههم علامات الاستياء.
قطع أحد الخبراء الضحك على ناكامورا بسؤال: «يا كاجيتا نسألك عن الخوازمية ولا نسألك عما أخبرتنا به لأنه معلوم بالبداهة.»
وأفراد المخابرات يتابعون من بعيد، بل إن أحد أفراد المخابرات المصرية اندس بين الخبراء لكنه لم يفقه شيئا من الحوار الدائر.
قال كاجيتا لهم بامتعاض: «ما حاجاتكم للخوارزمية، إنها أسلوب نظري، الآن سأثبت لكم عمليا أن الشبح (يقصد الجرافيتون) كان موجودا بيننا ثم لاذ بالفرار، لكن عليكم أن تجازفوا بحياتكم؛ فقد يأخذ الجرافيتون أحدكم ويهرب به إلى أحد الأكوان الأخرى.»
ولقد ارتاب كاجيتا في أمر فرد المخابرات المتنكر، فملامح وجهه لا تتفاعل مع الأحداث كتفاعل الخبراء، فتبين له أن هذا جاسوس.
نظر إليه كاجيتا وقال له: «وأنت أيها الهدهد الكبير، سوف أجعل الجرافيتون يأخذك معه إلى بوابة الجحيم، فما رأيك؟»
فور أن أنهى كاجيتا كلمته التاع فرد المخابرات وكاد لا يستطيع أن يزدرد ريقه، فضلا عن ذهاب الدماء من وجهه.
فضحك كاجيتا. ثم ما لبث أن قال: «سنعيد التجربة وسأجعلكم الآن تمسكون بالجرافيتون، ولكن يجب على كل واحد منكم أن يمسك في يد أمه حتى لا يتوه في الوادي الجديد (يقصد كاجيتا أن الجرافيتون قد يأخذ أحدهم معه).»
ازداد فرد المخابرات خوفا، وظل ينظر فيما حوله لعله يستطيع أن يسلسل نفسه في جدار حتى لا يُسحب ويلقيه الجرافيتون في بوابة جهنم.»

***
أعاد كاجيتا التجربة بالفعل، وفي موضع التصادمات وضعَ برادة حديد رقيقة جدًا عند كاشف أطلس وأجرى حزم البروتونات في مجري الأنبوبين، وكرّر نفس الطريقة بوضع البرادة عند متعقّب الألياف الضوئيّة SciFi في تصادم آخر.

 

إبراهيم امين مؤمن متصل الآن   رد مع اقتباس