وفور أن أنهى كلامه، بدأ يعقوب بإنهاء الكابينت من خلال عدة قرارات كتبها: «ممّا سبق أستطيع أن أقسّم الفترة القادمة إلى مرحلتين: مرحلة الاستعداد لهرمجدون، والأخرى الملحمة الكبرى. نحن نضع هاتيْن المرحلتيْن لنا أن أدركنا أحدهما أو كلاهما وكذلك للأنظمة التي ستلينا فيما بعد. ولعلّ متطلبات المرحلتين تجتمعان في بعض الحالات وتفترقان في حالات أخرى، لكنّ المؤكد أنّهما يتّحدان للوصول إلى الغاية المنشودة. سنضع الآن بروتوكولات مجلس الكابينت، الآن، على أساس أنّ مرحلة التنفيذ ستبدأ مِن الآن، الآن، نعمل اليوم وغدًا حتى الرمق الأخير مِن أنفاسنا ونسلّم الراية لمن بعدنا.
المرحلة الأولى:
- العمل على تعميق استدانة الدول أكثر وأكثر حتى تستطيع آل روتشيلد التحكم في هذه الدول وتحديد مصائرها.
- حان الآن لترك المواقف الناعمة، عليكم الآن بتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفيّة لكلِّ مَن يعارض المخطط اليهوديّ، بلا رحمة.
- العمل على تخزين أكبر حجم مِن الأسلحة النوويّة في أنفاق تحت الأرض حتى لا يصل إليها أحد ولو إبليس.
- العمل على تعميق دور المنظمة الماسونيّة أكثر وأكثر ثمّ دسّها بين الشعوب العربيّة بعد أن تتزىّ بالسمت السنّي أو الشيعي، وذاك مِن أجل تعميق الخلافات بينهم حتى يقتتلوا، وكذلك من أجل طمس وتشويه أديانهم وثقافاتهم.
- عليكم بإعداد رجلنا جورج رامسفيلد لاعتلاء الرئاسة الأمريكيّة خلفًا للرئيس الحالي.
- أريد فضْح الأنظمة العربيّة الحاكمة وإعلان حالة الديمقراطيّة التي يعيشها الغرب، أريد انفجار الشعوب ضد الظلم، أريد خروجهم في مسيرات بالشوارع واعتصامات في الميادين، أريد حروبًا أهليّة، أريد انقسامات في الجيوش العربيّة، لا تدعوا الأنظمة العربيّة الحاكمة تسيطر على شعوبها بالديكتاتوريّة، حاربوا الحكم الملكيّ عندهم.
- إثارة النزعات المذهبيّة والعرقيّة والدينيّة بين العرب، أريد حربًا شعواء بين السنة والشيعة، أريد أن نجدّد حروب الخليج مرّة أخرى، لتكن الحرب الخليجية الأولى والثانية والثالثة والرابعة ..والعاشرة، ونعمل على دفع الحركات الانفصاليّة بين الشمال والجنوب في كلّ الدول العربيّة.
- العمل على توفير أسباب الصراعات العربيّة والعالميّة وتزكيتها لتتأجج أكثر وأكثر، حوّلوا التنافس الخشن لدول المياه بداية من منابعها ثمّ تغذيتها لهذه الدول حتى نهايتها وهي المصبات، لابدّ أن تتقاتل منطقة الشرق الأوسط على شربة الماء، فعليكم في هذا المضمار بمصر وتركيا والعراق وسوريا ولبنان والخليج والأردن، أريد أن يشربوا دماءهم بديلاً عن مياههم.
- أريد التشكيك في الحدود المرسومة بين الدول العربية، أريد عند هذه الحدود تسيل دماؤهم على ثراها.
- علينا بانتشار أسلحة الدمار الشامل بين الدول؛ حتى إذا قامت الحرب أنهكوا وأفنوا بعضهم بعضًا، علينا بتصفية لجنة التفتيش للطاقة الذريّة والتشكيك في أمانتها، والتوقف عن الهجمات الإلكترونيّة التي كنّا نخرّب بها البرامج النوويّة. عليكم بانتشار السلاح، رجحوا كفّة أمريكا أولاً ثمّ اقتلوها بعد ذلك.
- تهويد فلسطين، لا أريد ولو طفل رضيع مِن الفلسطينيين، وذاك من أجل السيطرة على الموقف وبناء الهيكل أثناء أو بعد هرمجدون ..وتُسأل في ذلك الهيئات والحركات المسئولة عن ذلك.
المرحلة الثانية...
- العمل على احتلال سوريا بأيّ ثمن؛ لأنّها أرض الملحمة الكبرى، والعمل على الخلاص مِن كلِّ خصوم أمريكا فيها، فهي الجسر أو المعبر إلى ضرْب روسيا ثُم الصين.
- العمل على تمكين المسيحيّة الصهيونيّة أن تخترق دوائر صنْع القرار في أمريكا، بل وتسيطر عليها وتتحكم في كثيرٍ مِن مقاعد مجلس الشيوخ والنواب وحكّام الولايات وموظفي المخابرات فيما يطلق عليه(المحافظون الجدد) أو الذين ولدوا مِن جديد بالمسيح والإنجيل.
- بعد الانتهاء مِن هرمجدون وفوز الولايات المتحدة الأمريكيّة في الحرب النوويّة بمعاونتنا، علينا بالسعي إلى قيام حرب أهليّة في أمريكا بإثارة العمال على الرأسماليين والبروتستانت على الكاثوليك والزنوج على البيض، كما يجب أن نسعى إلى تأجيج نزاعات بين أصحاب مذهب العصمة ومذهب النشوء والارتقاء، فلابدَّ من بلشفة القضايا كلّها. كذلك لابدَّ مِن توريطها خارجيًا في مجموعة حروب متتالية في أنحاء العالم، في الوطن العربي، في آسيا، في كلِّ العالم حتى تضعف فيسهل علينا الانقضاض عليهم وإزالتهم.
- العمل على نقض معاهدة المياه المبرمة بين أمريكا وكندا حول إدارة المياه الحدوديّة التي تضمّ البحيرات العظمى ونهر سانت لورانس، كذلك العمل على إثارة الفتنة بين الهند وباكستان حتى يتم نقْض اتفاقية أندوس للمياه التي كانت مبرمة في عام 1960 بوساطة البنك الدوليّ.
- بعد التمكين إن شاء الله، العمل في السرّ والعلن على طمْس الأديان كلّها بما فيهم المسيحيّة ومحوها مِن الوجود ولا حكم في العالم إلّا للتوراة.لا حكم إلّا لإسرائيل، لا أسياد إلّا إسرائيل.» أنهى قراراته ثم صمت هنيهات ليأخذ نفسًا عميقًا ثم قال: «وبذا انتهتْ قرارات الكابينت وعلى اجتماع بودابست أن يعمل على تفعيلها أيضاً، موافقون؟»
قال الجميع موافقون.
وضعوا أيديهم فوق بعض حتى وضع رئيس الوزراء يده تلتها مباشرة يد الحاخام وأقسموا باسم الربِّ ليضحّون بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق مجد إسرائيل.
***
أدّى يعقوب طقوس صلاته كما هو متعود، لكنّها هذه المرّة أداها صلاة شكر، وانزوى في المعبد ليشكر الله على نجاع اجتماع الكابينت. ولمّا همّ بترْك المعبد؛ ناداه حبره الذي يلقنه الصلاة منذ أربعين عامًا ولم ينقطع عن تلقينه مطلقًا.
قال غاضبًا: «يعقوب يا ولد، تعال.»
فاندهش يعقوب لتذمّره وغضبه، استدار ملبيًا: «لبيك وسعديك أبتِ.»
ثمّ هرول إليه وانكب على يده وقبلها.
سحب يده تقززًا ثم قال: «ما هذا الذي سمعته بشأن اجتماعك السبت الفائت؟ أذئبٌ أنت؟!»
رد مندهشًا: «لم أكن ذئبًا، بل خادم دولة إسرائيل.»
قال بصوت عالٍ وهو يزمجر: «بالدم! بالحرب! بالثأر والانتقام! أمْ بغدر دولة تساعدنا كأمريكا؟!»
- «ليست هناك وسيلة أخرى غير ذلك.»
قال بصوتٍ هادئ: «يعقوب، أنا لا أخالفك أنّنا أبناء الله وأحبائه وأسياد العالم، لكنّ الربّ يحبّ السلام، ويحبّه أيضًا من أحبائه.»
- «سيدي، وهل العالم سيقتنع أنّنا أسيادهم وهم عبيد؟»
- «يقتنع أو لا يقتنع فهذا شأنهم.»
- «معذرة سيدي، التاريخ أثبت العكس سيدي، حاولوا أكثر مِن مّرة استئصال الجنس اليهوديِّ كلّه مِن على الأرض بسبب عدم قناعتهم بهذا المعتقد حاخامنا المعظم.»
- «ما حاولوا ذلك إلّا لأنّنا ضللنا، يفكرون بطريقتك الآن، كنّا دائمًا نحاول أن نأخذ حقنا بالثأر ولذلك قتلنا، علينا باستخدام التسامح الذي أنادي به دائمًا.»
- «معذرة سيدي، التسامح لا يصلح مع اللئام؛ مما سوف يتسبب في هزيمتنا.»
- «يعقوب، بل الثأر والحرب هما اللذان سيمحواننا مِن على الأرض.»
- «معذرة سيدي، أنا مقتنع بما أفعل.»
صرخ غاضبًا: «يعقوب، يعقوب، احذرْ، ارجعْ، أبذر الرحمة والحبَّ والتسامح، يعقوب، إسرائيل في عنقك لا تضيعها.»
- «معذرة سيدي، الجنس غير اليهوديِّ متمرد ومتكبّر ومصّاص للدماء، كلهم لئام، فإن فعلت بحسب طريقتك سيركبونا كالبغال.»
قال ولا يزال يصرخ مع ظهور الغيظ على ملامح وجهه: «طول ما أنا حي لا تدخل هذا المعبد، اخرجْ مطرودًا كإبليس؛ عليكَ اللعنة.»
خرج يعقوب من المعبد عازمًا على ألَا يعود حتى يحقق هدفه ويثبت صحة رأيه.
***
حكمة: صريف أقلام التوراة تُدمي قلْب العروبة...
جلس فهمان وجاك لتناول العشاء وهما يشاهدان التلفاز، قال فهمان لجاك: «أتمنى بناء مصادم جديد غير هذا الذي في سيرن fcc-1 -هو مصادم متوقع انشائه خلفاً لمصادم hlc-»
فقال جاك: «وأنا أريد أن ابتكر مركبة تستطيع السفر إلى النجوم.»
وتبادلا النكات واللطائف حول حياة الصبا والشباب؛ وبالأخصّ عاميّ الجامعة التي مرّتْ، ورغم الذكرى الأليمة التي حدثت لفهمان إثر بلاغ اليهوديّ فيه إلَا أنّ جاك ذكرها وحولها إلى نكتة، حيث ذكر جاك نظارة جوجل للواقع الافتراضيّ ومنظر اليهوديّ وهو يسحب البلاغ.
ولا يزال فهمان يقهقه على شكل اليهوديّ أمام وكيل النيابة، وما زال يستخفّه السرور المرتسم في لمعان عينيْه وابتسامة شفتيْه، حتى وقع نظره على قناة تتكلّم عن الشأن العربي والمصريّ خاصة. فألقى بسمعه وبصره لسماع الأخبار. ولقد ساقته هذه الأخبار إلى تذكر اجتماع الكابينت الذي عقد منذ سنة تقريبًا. فأراد أن يعبّر فهمانُ لجاك عن قلقه إزاء هذا الاجتماع رغبة في كشف النقاب عنه.
قال جاك: «اعتقد يا فهمان أنّ لهذا الاجتماع أهمّية خاصة بسبب حضور الحاخام الأكبر.أظن أن العالم يطرق أبواب حرب نووية.»
وبينما يشاهد فهمان الأخبار وجاك لا يزال يتكلم عن أضرار اجتماع الكابينت؛ فإذا به يجد ظنون جاك تحوّلتْ إلى حقيقة، حيث تعلن القناة الإخباريّة ما توقعه الساسة منذ عام عن الشأن العربيّ، حيث توقّعوا انفجار المنطقة العربيّة بالثورات إثر الاجتماع السالف الذكر.
يقول الإعلامي على لسان بعض الساسة: «إنّ انفجار المنطقة مقترن بتثبيت أقدام الإسرائيليين على أرض فلسطين، فإذا سيطروا على كافة الأمور عليها كانتْ نذير فوضى في المنطقة العربية بأسرها.»
فهاله ذلك، وقدْ ذهبتْ البسمة التي كانتْ تسكن شفتيْه واحتلها الحزن، وقد ارتسم على ملامح وجهه العبس. فحزن جاك لحزن صاحبه، فدفعه لمتابعة الأخبار.
أضاف الإعلامي: «وقد أكدوا أيضًا أنّ اجتماع الكابينت ما هو إلّا مخطط محكم لقيام حرب نوويّة، وها هي توقعات الساسة تصبح حقائق تلقي بظلالها على أرض العروبة. ثورات عربيّة في كلِّ مكان، يظهر هذا جليّاً مِن خلال مشاهد مأساويّة تخطها شعوبهم بثورات عارمة تجتاح الشوارع والميادين. شعارات ثوريّة طوباويّة طموحة، إصرار وعزيمة على تغيير الأنظمة ومحاسبة المسئولين عن الفساد الذي استشرى في كلِّ بلد منها. الشعب يريد إسقاط النظام، يسقط يسقط حكم العسكر، ديمقراطيّة، حريّة، عدل ، مساواة ، فضلاً عن العبارات الشعبيّة السجعيّة والقصائد كذلك. يسيرون في الشوارع والميادين حاملين بين أيديهم جالونات ماء فارغة إشارة إلى العطش الذي عمّ معظم البلاد العربية.»
عاين فهمان هذه المشاهد عبر التلفاز، ثُمّ تذكر صفحة سوداء من تاريخ الأمّة العربية وبالتحديد ثورات الربيع العربي ، تلك الثورات التي أفقرتْ المنطقة وأرجعتهم لعشرات السنين إلى الوراء. ومِن هول ما وجد في هذه الصفحات السوداء مِن التاريخ خشي على مصر، فارتعد، ومن فوره همس متوجعًا: «مصر، مصر.»
وبيد مرتعشة أمسك روبوت التلفاز، وركّز على القنوات المصريّة ليعاين سير الأحداث؛ فلم يجد إلّا مباريات كرة قدم وأفلام ومسرحيات وأغاني وطنيّة وأفلام تسجيليّة عن حرب أكتوبر 1973. تركَ قنوات النظام وذهبَ إلى قنوات المعارضة والقنوات الأجنبيّة فوجد المشهد على حقيقته، ثورات عارمة في كلّ الشوارع والميادين والتحامات دمويّة بين النظام والشعب. ورصاص مطاط وقنابل مسيلة للدموع واختراقات الأجهزة الأمنيّة ومهاجمة السجون وتحرير محبوسيها و .. الخ .»
فقطّب غاضبًا وقال متمتمًا: «لو لم يحتوِ الجيش الأمر فستنهار البلد.»
فقال جاك مطأطأ الرأس: «صدقت، صدقت يا فهمان.»