"وا هُياماه، يوماً ما سيسقطُ السقفُ علينا".
هكذا تمازِحُها أختُها عند كلِّ صباح تجدُها فيه سارحةً تتأملُ السّقفَ، بعينينِ نصفِ مفتُوحتَين؛ عادةً ما تُجيبها بضحكةٍ ساخرة. نهضت في كسلٍ لتبدأ طقوسَ تسريحِ شعرِها؛ شعرها المسكُوب على وسادتِها البيضاء، يرسمُ عليها لوحةً سيريالية، مُلطّخةٌ بلونٍ أسود من درجةِ "فانتا بلاك"؛ الأشّدُ سواداً على الإطلاق.
تربّعت على سريرِها بجلْسَتها المميزة، و تناولت شريطَ الشّعرِ الموجودَ على المِنْضدةِ ثُمّ وضعَتْهُ بين شفتيها، ثمّ بدأت بغزلِ شعرِها لتربطهُ على هيئةِ ذيلِ الحصان؛ حركت عينيها نحْو خريطةِ العالمِ المُعلّقة على الحائط، فارتَختْ يداهَا و شفتَاها لا إرادياً ليسقطَ الشريطُ على رجليها؛ انفلتَ الشعرُ منْ بينِ يديها ليهطِلَ مطراً على كتفيها.
نهضت من سريرها و وقفَتْ قُبالةَ الخريطةِ التيِ تتوسطُ خريطَتَيْ أفريقيا و السودان. الخرائطُ علّقهَا والدُهمَا بعدَ ميلادِ أختِها الكبْرى؛ إذ تسبقُها بعامَين، بينما تسبقُ هي "هشام" بعامٍ واحد. اعتاد الأبُ الصارمُ في العقدِ الأوّل مِن عمريْهِما أن يوقظَ طِفلَتيْه، للتحدّي اليوميّ، الذي تحوّل إلى هوسٍ بالنسبة إلى "الحلبية" كما تناديهَا الأختُ البِكر.
كان التحدّي كالآتي: يهمسُ لكلِّ واحدةٍ منهُما بإسمِ قارةٍ مختَلفة لإحياءِ روحِ المُنافَسةِ بينهما، و يحددُ لهُما عدداً مُعيّناً من البلدانِ لتعرِفا المواقع و تحفظاها. يأتي آخِرَ اليومِ حاملاً معهُ الحلويّات ليكافئَ الصغِيرتين اللتينِ لم تخذُلاه في كلّ يومٍ كان يسألُهما فيه. الأن كلا العشرينيّتين تحفظان أسماءَ و مواقِعَ أكثَر من مئةِ دولةٍ و عواصِمِها.
على الخريطةِ أربعةُ دبابيس ذاتُ رؤوسٍ زرقاء، و ثلاثةٌ برؤوسٍ حمراء. الزرقاء وُضِعت على البُلدان التي رغبتْ بطلتنا في زيارتها؛ موزّعة على أربع قارات. بينما الحمراء مغروزة على الأماكنِ التي قامتْ بزيارتها مُسبقاً.
و بينما هي واقفةٌ أمامَ العالمِ هبّت ريحٌ قوية انتزعتْها من مكانهَا، لتجدَ نفسَها أمامَ بُحيرةٍ مُرقّطة، عليها دوائر كبيرة مختلفةٌ ألوانُها: زرقاء، و خضراء، و بنيّة. تراها الطيُور التي تُحلّق فوقها كصحنِ الألوان المائيةِ الخشبيّ؛ لكن بثلاثةِ ألوانٍ فقط. الجيولوجيّون سيعلمونَ فورَ رؤيتِها أن السطوحَ من المعادنِ المختلفةِ.