![]() |
وطنٌ بلا أبعاد
وطنٌ بلا أبعاد د. طاهر عبد المجيد دعني من الحُلُمِ الذي ألقاني يوماً وراء الشَّمس والقضبانِ دعني ولا توقظ جراحي بعدما واريتُ خلف جفونها أحزاني واشربْ إذا ما شئتَ من خمر المُنى كأساً ودع لي خمرة السلوانِ لا شيء يُغري بالكلام وما الذي سأقولهُ والسيف فوق لساني وقصائدي حتى التي ما قلتها صُلبت ومازالت على الصُلبانِ ماذا أقولُ وعن يميني مُخْبِرٌ يَزِنُ الحروف وعن شمالي ثانِ يُلقي إلى صمتي بكلِّ شباكه إن غاب في أمرٍ لبضع ثوانِ قد وكِّلا بي والحقيقة لم تزل تحبو إلى عقلي بلا برهانِ ولطالما ساءلت نفسي هل هما بَشَرَان مثلي أم هما مَلَكَانِ يوماً سأَحمل للحساب صحيفتي وأُساق بينهما إلى الميزانِ أأقولُ إنِّي لم تعد لي فرصةٌ للنُّطق ترقى بي عن الحيوانِ إلا إذا يوماً مرضت وساقني شبحٌ من الحمَّى إلى الهذيانِ وتغادر الكلمات قلبي خلسةً من قبل أن يُؤتى لها بمعاني حتى إذا بلغتْ فمي علقتْ به لتزيلها الفرشاة عن أسناني أأقولُ إنَّ أصابعي يبستْ على قلمي الذي يشكو من الغثيانِ وقد استقاء مداده لما رأى أن لا مفرَّ له من الإذعانِ لا يملك القلم النظيف مفاصلاً كي ينحني في حضرة السُّلطانِ وأمام من ذَبحوا على أقدامه أقلامهم شكلاً من القربانِ الحرُّ في هذا الزَّمان مكبَّلٌ بلسانه وبصمت كلِّ جبانِ لمْ يبق من حرَّيتي إلا دمي ودمي يكاد يجفُّ في شرياني وكرامتي لو لم تصنها عزلتي لقتلْت نفسي قبل أن تنهاني حتى شعوري بالأمان نسيته ونسيت طعم الدِّفء في الأحضانِ لا مال عندي أستطيع ببعضه أن أشتري وطناً بأيِّ مكانِ أبداً ولا وطني يحسُّ بغربتي في حضنه فيضمني بحنانِ وطني هو الأرض التي أبعادها حرِّيتي وكرامتي وأماني فإذا الثَّلاثة أصبحت مفقودةً فلم الحديث إذن عن الأوطانِ وعن الذين يسيِّجون ترابها بدمٍ يباع بأبخس الأثمانِ * * * لما ولدت وجدت نفسي ممسكاً بحبال صوتي بعد أن أعياني وكأنَّني أحسست منذ ولادتي بخطورة الكلمات فوق لساني هي صرختي الأولى وآخر صرخةٍ صعدت إلى شفتي بلا استئذانِ لم أدر حينئذٍ لماذا لم أكن فَرِحاً بإسمي كالَّذي سمَّاني حتى وجدت خطايَ توغل في المدى كسفينةٍ تجري بلا قبطانِ تلقي بها الأمواج من بحرٍ إلى بحرٍ وما في الأفق من شطآنِ لم أدر أن الأرض سوف يسوؤها أنِّي بتكوين السؤال أعاني ولسوف تستبِق السُّؤال ككوكبٍ وتقول لي بهدوء شيخٍ فاني يا أيُّها المنسيُّ في أحزانه إنَّ الذي يشقيك قد أشقاني فأنا وأنت وكلُّ شيءٍ حولنا رغم اختلاف الرُّوح والأبدانِ نمضي على درب الحياة لغايةٍ رُسمت لنا في غاية الإتقانِ والفرق فيما بيننا هو أنَّني أدركتها ومضيت في دوراني ورغبت عن حمل الأمانة حينما عُرضت عليَّ وكان في إمكاني لا شيء يشغلني وقد قرَّت بها عيني سوى التَّسبيح للرَّحمن ماذا أقول لها وكيف تجيبها لغتي وكلُّ رصيدها حرفانِ ألف وهاء آه ما أقساهما إذ طالما في محنتي خَذَلاني * * * عقلي وقلبي منذ كان لقاؤنا يوماً وراء طفولتي خصمانِ يتحاوران وليس في لغتيهما حرفٌ على معناه متَّفقانِ عمري مضى وأنا أحاول جاهداً إصلاح ذات البين فاتَّهماني أنِّي أفتِّش فيهما عن راحتي فتصالحا في السِّر واقتسماني ولو انَّ عقلي قد أقرَّ بعجزه لأعاد لي شيئاً من اطمئناني ولو انَّ قلبي عاد عن أحلامه ما ساءني زمنٌ من الأزمانِ هي سرُّ مأساتي وسجن سعادتي وبقيَّة الأمل الذي أبقاني فهي التي أخشى إذا ألقيتها أن لا يكون العيش في إمكاني وهي التي أخشى إذا أبقيتها أن ألتقي بالموت قبل أواني متردِّدٌ والموت يطرح نفسه حلاًّ وحيداً ربَّما واتاني والعمر يجري آهِ من أيَّامه لا شيء يوقفها عن الجريانِ *** أنا كالحقيقة في بلادي خائفٌ أحيا كسرٍّ ضاق بالكتمانِ ويزيدني عشق الحقيقة غربةً حتَّى عن الأحباب والخِلَّانِ ماذا لقيت من الزَّمان وأهله غير الجُّحود وقلَّة العرفانِ ما من صديقٍ لا أشكُّ بحبِّه ووفائه إلا وقد آذاني بعبارةٍ ما كان يعلم أنَّها وقعت كسهمٍ غاص في وجداني وكم ابتسمت لكي أواري دمعتي وأضمِّد الجرح الذي أدماني وفؤادي المجروح يصرخ قائلاً إن أنسَ لن أنسى سوى نسياني ولقد صبرت على الأذى لا رغبةً منِّي بفعل الخير والإحسانِ أو طاعةً لله أو لرسوله ولِما أتى في الصَّبر من قرآنِ لكنَّني والخوف قيدٌ في يدي خُيِّرت بين الصَّبر والغفرانِ أما كتابي لست أذكر أنَّه يوماً أساء إليَّ أو أبكاني بل كان أكثر رقةً وتفهُّماً من كلِّ أصحابي ومن إخواني إذ طالما جالسته في وحدتي ويداه بين يديَّ ترتعشانِ وأنا بدفء حديثه متدثِّرٌ في مضجعي الشَّتويِّ باطمئنانِ حتى إذا هجم النعاس بجيشه واستسلمت لمراده أجفاني أبصرتُه عند الصَّباحِ ممدَّداً وبجسمه المكشوف قد غطَّاني * * * آهٍ من الآه التي أَلِفَتْ فمي وتوقَّدت ناراً بغير دُخَانِ آهٍ لو أنَّ الموت يأتي زائراً في غير موعده ولو لثوانِ يأتي ليعرف أنَّني في غربتي مَيْتٌ بقلَّة حيلتي وهواني فإذا أتى أَجَلي تذكَّر أنَّني مَيْتٌ فلم ينظر إلى عنواني قد تضحك الأيَّام لي وتجيئني بالحظِّ تحدوه المنى ليراني ولربَّما الأيَّام تصدُق مرةً في وعدها المرسوم في فنجاني وتجيئني بالمستحيل مروَّضاً سلِس القياد لكي يكون حصاني وتبيح لي أسرارها كي أتَّقي في رحلتي ما ليس في حسباني وأعود من بعد الغياب وقد غدا وجهي كوجهي والزمان زماني وغدا بوسعي أن أعيش طفولتي وصباي كالأطفال والصِّبيانِ وأقول ما لو قلته في حينه لم ينس قلبي عادة الخفقانِ هي أمنياتٍ قد أموت لأجلها يوماً وأرجع حاملاً جثماني للموت طعمٌ واحدٌ لكنه متعدِّد الأشكال والألوانِ فلِم التردُّد في اختيار زمانه ومكانه وطريقة الإتيانِ؟ لكنَّ أكثر ما يثير مخاوفي ويزيدني ناراً على نيراني هو أن يفاجئني الصباح ولا أرى حولي سوى ظلِّي على الجدرانِ وأرى وقد فات الأوان بأنَّني ضيَّعت عمري واقفاً بمكاني وجهي بما وعد السَّراب معفَّرٌ ويداي بالأوهام ممسكتانِ |
وآااااه امتد صمت قهرها بحرا بلا انتهاء
نحاول التحليق او العبور ولكنها ابت ان تغادر اوطانها في جوفنا ذاكرتها بركان وقدحها من مبتكرات الالم على مر الزمان صرخة اعتلت صهوة الغيم وكانت الحناجر قبر ميلادها كم طاب صباحي بموفور الشعر هنا وسلاسته الرائعة وتوالي صوره الابداعية التي احترت بينها أيهم اقتبس رغم الالم اتت القصيدة غاية الابهار والامتاع للذائقة سلمت يمناك شاعرنا المبدع \ طاهر عبد المجيد ودام غيثك وارف الالق مودتي والياسمين \..:icon20: |
ذكرتني هذه القصيدة بقصيدة
( رسالة في ليلة التنفيذ / للشاعر هاشم الرفاعي ) نفس الروح و القافية و المعاناة و أنا جداً أحب هذه القصيدة و مايشابهها مبنىً و معنى أبدعت والله و لامست قلوبنا و أجدت تجسيد الحقيقة بدقة متناهية ونقلت صورة حيّة من معاناة أمة كاملة وفقك الله و سدد خطاك شاعرنا الرائع |
قصيدة متعددة الجهات والقضايا التي يمر بها الإنسان الشاعر
قصيدة تنطلق اشطرها لغة الروح، اللغة التي تنطلق التعبير من خلال احتكاكها بمعطيات الواقع أثرا .. وتأثيرا .. لغة الروح التي تعبر عن الحياة الواقعية التي يعيشها الإنسان والبيئة التي فرضت عليه ووفق نمط الواقع الذي يفرض على حياته، والذي يعطي للمفردة الشعرية طابعها الإيحائي في الشكل والصوت وفق ما يربطها بواقع الحدث ومضمونه، وفي كثير من الحالات تأتي المفردة منبرا لكثير من المجتمعات والأفراد في هذا العصر وعلى هذه الأرض ، بداية موجعة وواقعية فعلا فكثيرون هم من القتهم احلامهم خلف القضبان ، دعني من الحلم الذي القاني وراء الشمس والقضبانِ ،صراحة لا استطيع تقبل امر هذا التنازل عن الحُلم ، اقتباس:
يكشف لنا الشاعر نوعين من الخمر خمر المُنى وخمرة السلوان ومنها السلوان ما يذهب الهم والحزن وهنا لديه مطلب وما ان يُترك لهُ خمرة السلوان ويأخذوا ما شاؤوا من خمرة المُنى ، اقتباس:
الملائكة التي تسجل حسنات الإنسان وسيئاته اقتباس:
مشهد فني يمنحنا اياه الشاعر بكرم باذخ ، الخطأ يشبهه كسفينة تجري بلا قبطان ، اي مُعرضة للغرق وضئيلة فرص نجاتها ، تلقي بها الامواج من بحر إلى بحر ، ولا يُرى في الأفق شطأن تبعث الطمأنينة للنجاة ، اقتباس:
نعم الحرّ في هذا الزمن مكبل بالكثير لا يستطيع ان يقول الحق بسبب تعرض حياته للخطر وهذا يعيدنا للربط في بداية القصيدة للحلم الذي رماهُ خلف القضبان، اقتباس:
من ناحية المضمون فإن الشاعر يعطي المعنى دلالات عميقة تستوقف المتلقي براعة في انتقاء القضية والموقف الإنساني ، فالشاعر يدرك القوة التي دفعته للمطالب الثلاث المفقودة في الأوطان العربية خاصة ، فيقول بوجع أكبر إن كانت هذه المطالب مفقودة فلا حاجة للحديث عن الوطن ، لأن الوطن يمنحكَ الكثير ، يمنحك ما لم يمنحه إياك العالم بأسره ، اقتباس:
لعديد من القضايا الإنسانية ، فيها من الوجع والغربة والظلم الكثير ، فالشعر يبقى منبر المظلومين ، منبر من لا منبر لهم ، ولا يسعني في مخرج ردي المتواضع إلا اتمنى لحضرتكَ كل التوفيق والتألق الدائم ، |
الكاتبة الرائعة سيرين: تعليقك دائماً يحرجني أمام قصائدي بسحر بيانه وسمو تعابيره لما يبعثه في قصائدي من غيرة وكأن لسان حالها يقول: ماذا تبقى لي مما أفخر به على بيانك الساحر وأسلوبك الجميل غير الوزن والإيقاع؟ ولكني لا أنكر من جهة أُخرى أنني أشعر بالغبطة والسعادة وأنا أقرأ تعليقك الذي أنتظره وأتمنى أن لا يكون مفرطاً في البلاغة وقوة البيان. أشكرك على هذا التعليق الجميل مع تمنياتي لك بدوام الألق والإبداع. |
الشاعرة الرائعة إيمان طهماز: أشكرك على هذا التعليق الجميل الذي دفعني قبل كتابة الرد إلى البحث عن القصيدة التي أشرت إليها وقرأتها. فعلاً هي قصيدة جميلة يدل على ذلك إعجابك بها وكون هذا الإعجاب صادر عن شاعرة مبدعة. وهذه المقارنة غير المقصودة وغير المباشرة عبرت عن رأيك في قصيدتي. أشكرك مرة ثانية وأتمنى لك دوام التوفيق فيما تبدعين من شعر جميل. تحياتي |
الكاتبة الرائعة نادرة عبد الحي: ردك ليس متواضعاً كما قلت في نهاية هذه القراءة النقدية الجميلة... وإذا بدا متواضعاً للقارئ فلأن القصيدة طويلة جداً وربما تحتاج تحليلاً أطول من هذا ليس هنا مكانه وبالرغم مما قلت عن تواضع هذا النقد فإنه نقد جميل أسعدني ولكنني لم أرتوِ منه ولك العذر في هذا. أشكرك على هذا التعليق الجميل مع خالص تحياتي. |
يارباه ماأطول صوتك وأجمل حرفك يادكتورنا الغالي
قصيدة مهيبة وجميلة سمع صداها السند والهند هذا هو الشعر يقينا |
الساعة الآن 01:58 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.