منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   العرّاب (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=32718)

علي آل علي 09-18-2013 07:50 PM

العرّاب
 

أُدعى حسبك حسيب الله، هذا هو اسمي في الحقيقة، إلا أن الجميع لا يُناديني إلا بالعَرَّاب، وهي صفة التصقت بي من حيثُ أدري أو لاأدري، لا أهمية لذلك.

فإنّ هذا اللقب ألتصقَ بي ببساطة، بعد توغلي بتلك الهواية التي مارستها منذ الصغر، تلك الهواية التي أصبحت حرفة أقتاتُ منها قوت يومي، بل إنها فتحت أبواب المجد، والشهرة، وبأن أكون أحد أشهر أغنياء العالم، ولا تُصدقون ما أقول! فإنها أحلامُ الفقرِ ليسَ إلا.
في عالمنا العربي لا يوجد من يهتم بتقديم الأشياء المميزة لأنها مميزة، إنها تقدم لغايات شخصية ليسَ إلا، كمثل الذي يُحسن لكي يُقال عنه أنه أحسن، وعلى مثله نقيسُ أموراً كثيرة.

زرعت بداخلي أشياء كانت كفيلة بأن أكون ما أنا عليه الأن، كالرهابِ من الشهرة، أو الصعود على منصةٍ ما، مخاطباً الجمهور، أذكر أنني حاولت ذات مرة أن أبرز بإذاعة المدرسة، فما أن تمثلت أمام مكبر الصوت، وأمام مدير المدرسة، والأساتذة، والتلاميذ، حتى تصببتُ عرقاً، وانتفخَ بطني، وكادَ أن يُغمى عليّ، لولا فضل الله بأن سخر من يحملني على أكتافه فوراً يواري ما جئتَ به عن الأنظار.
حالة انتفاخ البطن هذه دائماً ما تُسبب لي الحرج الكبير، فأنا مُصابٌ بالرهابِ من أشياء كثيرة، فالصدام الجماعي أيًّا كان، سيكون سببا لأسباب أخرى، وهكذا دواليكَ وإليكَ ما إليكَ، ولو نظرت إلى تأمل النساء فإنّهُ يكون سبباً أيضاً، أرى الرجالَ يُحدقون إلى النساء، وأعتبني كيف أنظر إلى نون النسوةِ فقط في حياءٍ تخجلُ منه الأحياء، ومن وراء الأسورة أُخاطبهنَّ وأبتسم، شعرتُ بلغة الاتصال الفكرية، فهيَ تُلهمني أشياء كثيرة، وكثيرة هيَ الأشياء التي لا أذكرها.


الأماكن العالية تُصيبني بالهلع، ولذلك حُرمت من الكثير بسبب هذه الحالة التي أنا فيها.

العزلة منذ الصغر أفادتني دونما علمٍ مني، أدركتُ هذا فيما بعد بأنني كنتُ أتأمل الأشياء بمبالغة شديدة، حديث الناس وحركتهم، مقاصدهم ورغباتهم، لذلك كنت أتفوق دراسياً لكثرة التدقيق في الأشياء.

وحينَ نفضَ العمر أعباء عمري الحالي، أجدني كحالي ما تغيّرتُ، أوهمتُ بأنني تغيّرت ولكنني واهم عابث ليسَ إلا، وسأضحكُ هنا لأنني عرّاب وهكذا أظنني، فإنني اكتشفتُ بأني أتيتُ بالمجازي من التعابير، تلك المعاني التي تؤدي إلى معاني أخرى، واسعة الأفق، تنداحُ أخيلة فوق الجنون، ولربما الجنون هو اكتشافي بالتأكيد، ولا بدَّ لي أن أقول بأنني أهذي، لأن من يشاهدني الأن سيقول عافاكَ الله مما ابتلاك، وستقول إحداهن إنَّ حالتي كمن اقتنى موبايلاً جديداً ثم راحَ ينتقل بين النغمات ويحتارُ أيها يختار.

موبايل، جوّال، تلفون، هاتف، أيهما أختار لصياغة مليئة بالفذلكة الكتابية، أخترتُ الموبايل، لأنّه موبايل، أو لأقول مو بايل، أو ليسَ بآيل للسقوط، ألم أقل بأنني أهذي، فلماذا أُتابع إذن!
سأحتجُّ بأنني مهموم، أنفض عنّي الهموم بالجنون، هكذا أظنه التعبير الغازي لقلمي هذهِ الساعة، دونكم عني، لكي لا أكتشفَ مواهبكم الإغريقية، ولكي تكون العبارة مسجوعه، سأردد أفريقية، فقط لكي تتفق المعاني بياناً، وسحراً، وعنفواناً، ولا تسألوا عن معانيها، لأنني لا أعي مقاصدها، لأنني لا أدري أيُّ معبدٍ تتعبّدُ فيه، ولا أدري إن كنتُ أدري أصلاً.

سأتنفس الصعداء، وسأعودُ للطفولة، لتلك السنة الأولى دراسياً، وسأردد وراء الأستاذ، ألفٌ باء، تاء، ثاء، ..... ، ياء، لكي يصفق لي الأستاذ براحتيه المليئة بغبار الطباشير، ويقول لي: ممتاز، ممتاز يا شاطر، ولعلني أقف عند الطباشير قليلاً، إن كنتم تذكرونها، فأنا أذكرها جيّداً، إنها أداة فعّالة لصناعة العرّاب بداخلك، ستجعلك تكتشف الأحرف، واللغة، والأسماءَ كُلها.

آهٍ، لقد تعبتُ من قهقهة الكتابة، من قرع فصول الرتابة، وآهٍ، لقد تعبتُ من إيقاعات الأمل بداخلي، لقد تعبتُ من أحلامي الوردية، وآهٍ، لقد انفكَّ العقدُ الفريدُ من ذاكرتي، من نفسي المُتصاعد تارةً، والهابطُ تارةً أخرى، وآهٍ، لقد تعبتُ من محاولة اكتشاف النجاح، وأسألُ عنه هل هو موجود أصلاً، وأينَ دارهُ التي أفنيتُ الدجى إذلالاً لكي أصل إليه، بلا جغرافيا أعلم مدارجها، ومسالكها جيّداً، وبلا نجمة شمالٍ أقتدي بها، وبلا أراضٍ أو بحار أعلمُ بأنها موجودةٌ في الحقيقية والواقع.
ألم أقل بأنَّ العرّاب صفة ملاصقة بي، تجعلني أكتشف أشياء، وأشلاء لا وجود لها، ولهذا هذا هوَ اكتشافي الأخير، بأنني فاشل، ... لا وكلا، ... بأنني ناجح، ... ولا هذا ... كلا، بأنني مخفيٌّ عن الحياة، ... هو ذا، فيالي من مبتكرٍ سيخلّد التاريخ اسمي، في مساحات فارغة بينَ الأسطر.



مجتبى الجلواح 09-18-2013 08:25 PM

السلام عليكم .. .. ..

أخي الكريم " علي آل علي "

نصك الفريد من نوعه فتح لنا الباب الذي تخفي خلفه فن العرابة

قلما نجد نصوصًا مثله

أنت تجيد قراءة الأحداث من زوايا مختلفة عما يقرئها من حولك

حتى أنك تجيد قراءة نفسك وملم بتفاصيلها

أنت فعلا تبحر في روحك من دون جغرافيا فلا حاجة لك فيها

فأنت ربان ناجح فها أنت قد سافرت بنا إلى السماء وهبطت بنا حتى وصلنا قيعان المحيط وعدت بنا الى الشاطئ


جميل جدًا

أرجو لك التوفيق
أخوك / مجتبى الجلواح

علي آل علي 09-19-2013 05:33 PM

أخٌ كريم يا مُجتبى الجلواح
وضيفٌ مكين، استطعت أن تلفت انتباهي بشدّة، فما قرأتُ تعليقاً عاديًّا، بل ودقُ وقعه آسن، مملوءٌ بالعبرة، مكنوز الحكمة.

شرّفني هذا الحضور المائز
فتقبل منّي الودّ وهذه التحية.

نادرة عبدالحي 09-19-2013 08:37 PM

أهلا بعودتكَ بعد غياب أخي علي
نور الوطن بوجودك يا طيب
القراءة في نصوص الكاتب علي تحتاج للكثير من الأُكسجين
لأنها تدخلني في تفكير عميق جدا وواسع جدا
اقتباس:

زرعت بداخلي أشياء كانت كفيلة بأن أكون ما أنا عليه الأن
يقول زرعتُ بداخلي هنا لا طرف أخر كان في عملية الزرع هذه
لأننا كبشر نستطيع زرع وقلع من أنفسا أمور كثيرة أي بيد الإنسان
الإلتجاء للخير وعكسه وزرعه في داخله ليثمر وعندها يستطيع
أن يوهب ويعطي بإصراف .......

وهنا أُسلوب أخر يتداخل في تعريف بعض الامور ومنها
اقتباس:

حالة انتفاخ البطن هذه دائماً ما تُسبب لي الحرج الكبير
اقتباس:

الأماكن العالية تُصيبني بالهلع،
اقتباس:

العزلة منذ الصغر أفادتني دونما علمٍ مني
وإستخدم الكاتب أسلوب الذكريات وهو أسلوب شائع وإستخدمه الكثير من الكّتاب
ومن خلال متابعتي السابقة للكاتبنا كان إستخدامه لهذا النوع من النصوص
برائي هو أُسلوب يقرب القارئ لصاحب النص وتراه يفتش وينقب كتابات له
لكي يشبع إلحاح فكره الذي أحب هذا النوع من الادب .......
الكاتب والشاعر علي ال علي
لا أخفي عليك كانت هناك خطوط حزينة إختفت بين الاسطر
ليكن الله في عونكَ ودمت نبراسا للأدب العربي

سارة النمس 09-19-2013 09:28 PM

نورت يا سيد علي . . أقول لك و بكل صدق :
استمتعت جدّا جدّا بنص " العراب "
سرد و صياغة أكثر من رائعين
اشتقت لنصوصك البديعة . .


اقتباس:

سأتنفس الصعداء، وسأعودُ للطفولة، لتلك السنة الأولى دراسياً
وسأردد وراء الأستاذ، ألفٌ باء، تاء، ثاء، ..... ، ياء، لكي يصفق
لي الأستاذ براحتيه المليئة بغبار الطباشير، ويقول لي: ممتاز، ممتاز يا شاطر
ولعلني أقف عند الطباشير قليلاً، إن كنتم تذكرونها، فأنا أذكرها جيّداً
إنها أداة فعّالة لصناعة العرّاب بداخلك، ستجعلك تكتشف الأحرف، واللغة، والأسماءَ كُلها.

و هنا عدت بذاكرتك و جعلتني أعود بذاكرتي معك إلى السنوات الأولى
أجمل سنوات العمر التي نكتشف فيها كل شيء لأول مرة
المعرفة ، اللغة ، الحياة ، الحب و الوطن
كنا نطرح ببراءة ، أسئلة فلسفية عظيمة !

صديقي علي ، بانتظار المزيد

سارة


علي آل علي 09-22-2013 07:57 PM

الباذخة قراءةً وتحليلا / نادرة عبدالحي

مرّ زمنٌ ليسَ باليسير على تواجدكِ الذي يُلهب النص حماسةً..
أشكرك عميق الشكر وأزيدُ ألف شكرٍ وشكر كألف ليلة وليلة.

كل التقدير والامتنان
وود لا يبور

علي آل علي 09-27-2013 09:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة النمس (المشاركة 845233)
نورت يا سيد علي . . أقول لك و بكل صدق :

استمتعت جدّا جدّا بنص " العراب "
سرد و صياغة أكثر من رائعين
اشتقت لنصوصك البديعة . .



و هنا عدت بذاكرتك و جعلتني أعود بذاكرتي معك إلى السنوات الأولى
أجمل سنوات العمر التي نكتشف فيها كل شيء لأول مرة
المعرفة ، اللغة ، الحياة ، الحب و الوطن
كنا نطرح ببراءة ، أسئلة فلسفية عظيمة !

صديقي علي ، بانتظار المزيد

سارة

النور نورك، وأنا وورقتي هذه نستضيفُ تواجدك بما هوَ أهله.
أشكركِ جزيل الشكر، ووافر التقدير ..

عبد الرزاق دخين 09-29-2013 08:16 AM


الأستاذ القدير / آل علي..

فوبيا سامية تشرف من علٍ :).

لي عودة.

طبت، وأكثر.


الساعة الآن 08:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.