![]() |
تفاصيلي مع القمر
بسم الله الرحمن الرحيم ..
في حادثة جريئة من نوعها في سنابل عمري وجدت في نفسي اندفاعا لطرح ما قد أطلق عليه رواية في يوم من الأيام و أتمنى في زحمة المجاملات أن أجد صوتا حقيقيا يخبرني الخطأ من الصواب كونه قد يمتلك شيئا لا أعرفه . تفاصيلي مع القمر لم تنتهي بعد و أقدمها ارتجالا .. رجاء لا تغرقوني بإطراء لا أعلم في نفسي قدرة على مضاهاته ، كونوا فقط صادقين فإني في أمس الحاجة إليه . |
مقدمة شخصية :
في الحياة توجد كل أنواع الطرق ، عليك فقط اختيار الطريق الذي يتناسب مع قلبك و عقلك و روحك ؛ لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة للشعور بأنك تفعل الشيء الصحيح مهما كانت العقبات التي ستواجهك في طريقك .. بثينة .. |
الفصل الأول :
[ لا شيء سوى الخيال ] " أنت ، من أنت .. أبوح برسائلي .. هل ألتقيك يوما ؟! هل أكتشف أحلامي و أوهامي فيك يوما ؟! يأخذني إليك هاجس غريب يتيم ، بلا وطن .. حتى إذا انتهت مشاعر الحب .. غدا الخيال مسرحي إليك .. " أطرقت رأسي أفكر ، وحيدة على ذاك المقعد الحديدي العتيق في المنتزه ، و الظلام يكسو ما حولي . ظلام آسر ، يعطيني الهدوء اللازم لاستشعار أشياء اكتشفها عنك . أسمع خطوات أقدام مسرعة . ضوء ينهمر علي فجأة !. إلهي ، هل جئت يا أنت ؟!!. صوت يسألني بحذر و استنكار : ( - آنستي ، ماتفعلين هنا في هذه الساعة ؟! . ) . إنه ليس أنت . إنه شُّرَطي !. رفعت رأسي بهدوء ، و نظرة شاردة في عيني زادت ذلك الشُّرَطي استنكارا : ( - آنستي ، هل أنت بخير ؟!. ) . أطرقت رأسي مجددا ، تنهدت بقوة ، و أخذت نفسا طويلا . نظرت إلى موقع أقدامي . كان هناك زهرة وردية ملقاة بجانب قدمي اليمنى ، و بجانب قدمي اليسرى كانت ورقة ساقطة من إحدى الأشجار . فكرت : ( كان لهذه الزهرة أن تكون منك يا أنت !. إنه الخريف قد حلَّ ، يا ترى ، هل ستأتي قبل الربيع ؛ حتى نحتفل بانتهاء سقوط أشيائي ؟!. ) . ذلك الصوت عاد يزعجني مجددا ، ضحِكْتْ . إنني أنا من أقلقت أفكاره الطبيعية عن الناس !. شددت معطفي حولي ، و رتبت خصلات شعري ، وقفت ، و ابتسمت : ( -- استميحك عذرا سيدي الشُّرَطي ، لقد سرحت قليلا . لا تقلق ، فأنا لست مشرَّدة أو ما شابه .) . أمسكت عن الكلام أفكر بقلق : ( يا إلهي ، هل أبدو كمتشردة ؟!!. لمَ نسيت مرآتي في المنزل ؟!. يجب على السيدة المحترمة أن تبدو دائما بمنظر لائق!.) تذكرت الشُّرَطي . استطردت : ( -- عموما ، سوف أعود الآن إلى وكري . عمت مساءا سيدي الشُّرَطي . ) . ذهبت أفكر تاركة الشرطي المسكين يتابعني بنظره بذهول : ( لم قلت أنني سأعود إلى وكري ؟!. أوه ، كلا ، لن أسمح لتلك الأفكار الغريبة بمعاودتي .). و بدأت أخاطب نفسي : ( كلا ، كلا يا بثينة . عليك أن توقفي هذه الخيالات المخيفة . لن تقومي بالتحول إلى خفاش حتى لو كان هذا فقط من باب الخيال !. لن أسمح بهذا .) . ابتسمت لنفسي . من الجميل أن يستطيع المرء مصادقة نفسه ، و من المضحك المبكي أن يكون الانسان بهذه الدرجة من الوحدة !. عدت إلى المنزل . لم تساورني أي رغبة بفتح الأنوار. يبدو أنني فعلا سأتحول إلى خفاش في هذه الليلة!. رغم عقلي المسكين الذي يتكلم عن السيدة المحترمة و ما يجب أن تكون عليه . أحيانا ، يتصرف عقلي بسطحية تمليها عليه عادات تتسم بالاعتباط مفروضة عليه اجتماعيا . حقا ، إن عقلي يحتاج إلى إجازة . نظرت من النافذة . يا ترى كيف تعيش الخفافيش ؟!. لطالما لفتت نظري ، رغم أني لم أر واحدا من قبل . كل ما أعرفه أنها عمياء ، و سمعها حاد جدا ، و كل ما يشبهها في ذاكرتي هي أفلام مصاصي الدماء !. غريب جدا ، عشت عمياء لفترة من الزمن ، و سمعي أيضا كان حاد !، على الأقل ، هذا ما أظنه. يا ترى ، لو استمع إلي صديقتاي ، أنا على يقين من أن " أحلام " ستوبخني و تسخر من عجب خيالي ، و تقول لي : ( بثينة ، عليك أن تكفي عن التفكير بهذه الطريقة و إلا ربما تحولت إلى خفاش يوما ما !، و حينها لن نكون أصدقاء ؛ لأن الخفافيش كريهة جدا !.). أما عزيزتي " نوف " فسوف تضحك ملء شدقيها و تنظر إلي بحنان و تقول :( دعك من هذا الهراء . كيف يعقل أن تصبحي خفاشة !!.) ، و من ثم سوف نتحدث عن طفلتها التي تنتظر ولادتها بكل شوق !. أسندت رأسي على حاجز النافذة مبتسمة من جديد : " كم أحبهم !! " . تثائبت معلنة انتهاء ليلتي و عودتي إلى صوابي . قلت كأني أخاطب ماخلف النافذة : ( سأذهب للنوم ، و أتمنى من كل قلبي ألا تراودني أية أحلام عن الخفافيش ؛ لأني بصراحة أعتقد أن رائحتها نتنة ، و أنها شريرة أيضا !. ) ، يا للغرابة !!، ربما هناك نزعة شريرة فيَّ تدفعني لتمني تجربة العيش كخفاش ، أو ربما هي رغبتي في الإثارة !. |
بثينة محمد
أهلاً بكِ في قسم القصة والرواية أنتِ تعلمين جَيداً أنني لا أجاملكِ ولهذا أنا فخورةٌ بـ طلبكِ أن أتواجد هُنا ، بغض النظر عن نوع النص إلا أنني أجدك قوية الحرف والفكرة فهذا النص بالذات يشهد تماسكاً في الأحداث وإصرار على بث فكرة التيه من البداية ، إذ أنكِ حافظتِ على التسلسل المنطقي وإستحضار الشخصيات في النص كـ ذكر الصديقات والشرطي في مواطن مناسبة , كما أعجبني إنتباهكِ لـ نقطقة : عنونة الفصل لـ وحده فذلك يخدم الرواية من وجهة نظري . ولكن لا يمكن أن أجزم على ذلك من فصل واحد من روايتك ، إذ لا نعرف إلى الآن ما هي تفاصيلكِ مع القمر . ولكن أنا أحدث عن ذلك كـ بداية أتمنى المتابعة وتأكدي أنني بالقرب ، |
الفصل الأول : لا شيء سوى الخيال
* 2
في عينيها كانت نظرة حائرة ، ملأى بالقلق .. كانت تمشي حافية على الشاطئ تفكر، و تداعب الأمواج قدميها الصغيرتان. بدأت تغرب الشمس ، توقفت و ابتسمت تراقب روعة المنظر ، و حين بدأ يكتمل احتضان البحر للشمس سمعت صوتا . جفلت، و التفتت بفزع . أخذت تركض في الاتجاه المعاكس للصوت . لم تكن تعرف مما تهرب ، و هذا كان هاجسها الأكبر : المجهول !!. تأففت و رميت القلم : ( - لمَ لا أستطيع كتابة قصة ؟!، إني أكتب نصوصا جميلة ، المئات منها ، و إنتاجي يتميز بالغزارة ؛ فلم لا أستطيع كتابة قصة ؟! ). خرجت إلى شرفة منزلي . نظرت إلى القمر ، ابتسمت و نسيت تماما استيائي . نظرت أمامي ، هناك ، على البعد ، خلف الجبال ؛ يكمن موطني ، و ينتظرني " أنت " . اتكأت بكتفي على حاجز الشرفة ، أفكر بشغف : أنت .. من أنت ..؟! لا أعرفك إلا خيال يراودني في أحلك الليالي و أحلاها .. لا أسمعك إلا في تغريد العصافير ، و خرير الماء .. و لا أراك إلا في منامي !، و مسرحي الوحيد إليك هو الخيال .. كم هو مؤلم ألا ألمس بهجة اكتشافك إلا تخيُّلاً .. أرسم الأحداث و الأزمان ، و لكني لا أستطيع رسمك .. كيف أرسم المجهول .. و أنت أملي ، و حلمي .. أيها المجهول .. يا أسطورةٌ ، طفولتي تحملها حتى مماتي .. و لا تخلدها سوى كلماتي .. و لا يخطها سوى الأحلام التي تأتيني فيها .. حي أسمع موسيقى المطر في ليالي السهر ... * * * * قاطع أفكاري صوت عميق ، يناديني بتعجب : ( - بثينة ). التفتُّ . فكان القمر يحدثني . لم أصدق عيني . فجأة ارتسمت له عينان متسعتان مضحكتان ، و أنف دقيق و لكنه كبير بما فيه الكفاية ليتناسب مع حجمه . ناداني مجددا : ( - بثينة ). وقفت معتدلة ، و ضاقت عيناي و أنا احاول إقناع نفسي بأني أحلم . زمَّ القمر شفتيه ، و قال باستياء : ( - ماهذا الذي أراه ؟! ، بثينة لا ترد علي !. حسنا ، ما هذا الاستنكار الذي يتفجر من عينيك ؟. ) و شمخ بأنفه و استطرد مستفهما : ( - أتعجبين من كوني أحدثك ؟! ، هل ترين أنك أعلى مكانا مني ؟!! ) . ظللت صامتة أحاول أن أحلل ما أسمعه بكل المنطق الذي أملكه ، فما كان مني إلا أن زل لساني قائلا : ( -- كيف أكون أعلى مكانا منك و أنا على الأرض و أنت في الفضاء ؟!). أمسكت عن الكلام أوبخ نفسي : ( -- تبًّا ، تبًّا . ما الذي أفعله ؟ ، مجددا ، لم أستطع تمالك نفسي حين يخطئ أحد في التعبير ! ). ضحك القمر : ( - فتاة ذكية . إذًا، أنت تعلمين أنه ليس منطقيا أن تتعالي علي ؟ ). مرة أخرى انطلقت بدون تفكير : ( و لم سأتعالى عليك ؟ )، وبخت نفسي بشدة : ( تبًّا ، ما هذا ؟ ، إنني حقًا مجنونة . ما الذي يحدث ؟ ، بثينة ، استيقظي . الآن سأعد إلى الرقم ثلاثة و أفرقع أصبعي و حينها ستستيقظين !. ). عددت و فرقعت و أنا أغمض عيني بشدة و لم يحدث شيء . سمعت قهقهة بدلا من أن أستيقظ . بدأت أصدق أني لم أكن أحلم . فتحت عيني ببطء متمنية بيأس أن أجد القمر قد عاد إلى شكله الطبيعي . بدلا من ذلك وجدته يبتسم بجذل . قال لي : ( - لو أنك رأيت كيف بدوت ؟ ، اخبريني ، لم أغمضت عينيك كأنك تشربين دواءًا مرًّا ؟! ). توقفت لبرهة قبل ان أجيب ، و حين أجبت كنت أزن كلماتي بدقة : ( -- هل أنت حقيقي ؟، أعني ، هل تستطيع الكلام ؟، و تحدثني أنا من بين الجميع !). لوى شفتيه و نظر إلي من طرف عينه : ( - بالطبع أنا حقيقي . ألم تشركيني في كثير من قصائدك ؟، هذا هو الذي يجعلني أرغب بالحديث معك !. لقد أطريتني كثيرا .)، و انتفخت أوداجه بطريقة مضحكة و لكن أيضا بدا عليه الاعتزاز و الفخر . قلت له : ( -- استمع إلي ، هذا كله كذب ، وهم . سأذهب للنوم . عمت مساءًا ). كان صوته حازما : ( - حقًا ، اهربي إذًا يا بثينة ، و لكن ، إذا كنت وهما فلمَ ودعتني ؟! كان عليك أن ترحلي فقط ). كنت امشي مبتعدة عن الشرفة و توقفت لدى سماعي ما قاله . نظرت إليه بغضب ، و اندفعت مسرعة إلى الداخل . أغلقت باب الشرفة بإحكام ، و أسدلت ستائر المنزل كلها . ذهبت إلى فراشي ، أشعلت الأنوار . قرأت القرآن و نمت و أنا أردد " لا إله إلا أنت ، سبحانك إني كنت من الظالمين " . لم أطفئ الأنوار في تلك الليلة . كنت اخشى أن يتسلل إلي شيء من الخيال العجيب مع الظلام . |
الساعة الآن 08:29 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.