منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد المقال (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   ☼ الأدب الساخر ☼ (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=17771)

حسن مغربي 05-10-2009 11:52 AM

☼ الأدب الساخر ☼
 

السّخرية فنٌ يباغت الفهم و دون استئذان و يستدعي فيك كل الحواس دفعةً واحدة..!! و بصمتها المتكلم تحدّثُك بفرح عن حزن كما تحدّثُك عن حزن بفرح..!!
قُدرات عزَّ نظيرها في باقي الأجناس الأدبية, بل هي الفن الوحيدُ الذي يصل إلى الوجدان و دون عناءٍ كبير, و هي الإبداع الفَرْدُ الذي لا يمارس الإقصاءَ اللّغوي و لا حتّى عنف التعبير..!! فاعتمادها على الحواس الأولى جعلها موهبةَ من اكتملت فيه المواهبُ الكتابية و رسالةَ من استوعب أعقدَ الرسائلِ الأدبية..

السّخرية بعيدةٌ عن التهكّم المُبتذل أو الهزل السمج. فهي تعطي للمواضيع الصارمةِ الجادةِ نكهتها الإنسانية, و لا تحرمُها من تهويَّات التلطيف و كأنها تعيد أكبر القضايا الإنسانية إلى بيئتها الأولى..!! حيث لا يُفرض عليها الوقار المشبوه و لا الابتذالُ الفاضح السخيف..!!

لكن السّخرية لا يمكن أن تثير الضحك دائمًا, بل قد تدفع الحواس و ملَكات الإدراك إلى التلذذ بألم, بفضح المستور بمقابلة بعض النقائض التي تُطلق سيقانها للريح دون النظر إلى وجهها في المرآة.. فالسّخرية هي الفن الوحيد الذي استطاع أن يؤاخي بين العفوية و الذكاء, فيا طالما قُورِنت العفوية بالسذاجة و السطحية..!!

و لعل تيّارًا وقورَ التطفّلِ يحب تسمّية الأدب الساخر بـ"الكتابة الساذَجة" و هذا يؤكّد ما ذهبنا إليه.. نعم كم احتفى الغرب بهذا "الفن الساذَج", و علّه ما فعل ذلك إلاَّ لأنه يعيش تُخمةً في إنتاجه الأدبي الهادف الوقور, صاحب الرسائل الفكرية الدسمة, لذلك رأوا أن أقوى و أجمل ما في هذا "الفنِّ الساذج" هو أنّه بلا رسالة في عالم أتعبته الصَّرامة و الجدِّية و القضايا الكبرى..!! و إن كنّا ندرك أنه أدبٌ يودُّ استراحةً لا تقاعدًا, كما تبادر لذهن هؤلاء الذين تتلمذوا بشكل سيِّء و غير نجيب في مدرسة الكتابة..!!

السّخرية صفة يغار منها الوقار, و يقف واجمًا أمام انتصارها في حلبات الشموخ الروحي الواثق..!! السّخرية صهوة ما بعد الفكاهة, تحُطُّ رحالها بعيدًا عن أسواق الميوعة و بعيدًا عن واحات التهريج الكاذبات مهما أمعنت فيها الخضرة و الترحاب..!! السّخرية لا تجتذب الساذَج من العقول و لا المَخصيَّ من العيون حتى و إن تعلّقت بالأهذاب و اكتحلت بالمعدن المتاح, فالسّخرية ُ أكبر من مِنَّة الكُحل..!! السّخرية صرح تتهاوى فيه و به و حوله كل أشكال السذاجة و التحلُّم..!! السّخرية رسالة أدبية مشفّرة, حرفٌ استثنائي تقضي به اللغة وطرها..!! السّخرية ملامحٌ لا تغازل و في ذات الوجدان لا تهادن..!! آسرةٌ لمحاربٍ أتعبه انتظار الانتصارات الحاسمة فارتمى في حضن الهزيمة الباسمة..!! السّخرية قسمات لا تحابي و لا تسالم و لا تستسلم و لا تطاوع حتى و إن طوّقتها كثبان الألم..!! السّخرية كالمِلاحَة إبحار داخل الموج و فوقه, عرفت كل أنواع القراصنة و الربابنة, فما اطمأنت لجرأة هؤلاء و لا رَسَت بفضل حنكة الآخرين..!! كانت دائمًا صعبة المنال, عسيرة الاكتشاف..!! السّخرية أرض خلت من ساكنيها لما استأسد الأدبُ الباردُ و غصَّ الجوار بهراء القذف و أكذوبة الاختلاف..!! نعم السّخرية ليست كل هذا بعينه و لا كل ذاك بأطرافه, و لسنا نجري من أجل القبض عليها, و لكنها برغم كل هذا مطلوبة لجناية ارتكبتها في حقّنا أو ارتكبناها في حقّها و دون أن ندري..!!

أقول هذا لعلمي أن هذه السذاجة المُفترى عليها أصبحت مخرجًا لكل بليد و مطيَّةً لكل صاحب وجدان عقيم, حتى أن أغلب كتابات هذا الفن, و على كثرتها, لا تصلُح و لو لجلب أبسط القرّاء, فكيف إذا تعلّق الأمر باستراحة فكر..!!

و يبقى فن الكتابة الساخرة صاحب الرسائل النبيلة متهكّمًا, مسلّيًا, مقلقًا, مؤلمًا و متألِّمًا.. فاضحًا لتوازنات القبح, كاشفًا لرداءة التجميل السياسي, ساخرًا من مسلّمات التواطؤ الاجتماعي, و ضاحكًا حد أن يفقد بعض صوابه اللّغوي.. فن تراجيدي-ضاحك و بامتياز..!!

لا أنكر أن باعث هذا الكلام عن هذا الجنس الأدبي هو كونه لا يخلو من بعض المدَّعين المُتطفلين و المُغيرين.. لكن النباتات الطفيلية في حقول الإبداع لا تحتاج إلى مبيدات, لأنها تُخلق ميِّتةً, و هي أشد موتًا إذا تعلّق الأمر بفنٍّ يستمدُّ نجاحه و خلوده من رهافةِ و جرأةِ صدقه..!! و إن كنتُ أستغرب أن هذا الفن في بلداننا ظلَّ محتشمًا بمبدعيه القلائل, برغم أن أوضاعنا "الكاريكاتيرية" المهترئة تمنح هذا الفن أرضيةً خصبةً و مجالاً ضخمًا للإبداع و العطاء..!!

و لعلي لا أزايد إن قلتُ أن حرية الشعوب تقاس بتألق أدبها الساخر.. فحتى الأقدار تملكُ سخريتها حينما يعجز الفهمُ أو بالحَرِيِّ حينما يصبح الفهم متَّقدًا و وارفًا..!! و أوضاعنا التي تبعث على السّخرية أكثر من أن تُحصى أو تُخصى, و أحدثها آخر هذه الفتاوى و المواقف العربية.. أليست هذه سخريات لا تحاج إلى كبير خيال..!!

و حتى نبقى في عالم السّخريات, كم هو جميل أن نُذكِّر بما قاله الشاعر "مظفر النواب" و هو يسخر من حاكم عربيِّ قميءٍ, و بكل المعاني :


وَ اَلْحَاكِمُونَ اَلْخَصَايَا هُمْ اَلْعَرَبُ اَلْعَارِبَة
حَاكِمٌ طُولُهُ وَ كَرَامَتُهُ دُونَ هَذَا حِذَائِيْ
وَ إِنْ ضَرَبْتُ طُولاً بِعَرْضٍ هُوَ الصِّفْرُ
مَهْمَا تَكُنْ اَلْآلَةُ الضَارِبَة



يبقى أخيرًا أن نسأل : من هو الحاكم العربي الذي لا يستحق هذا الرّقم الذي اخترعه الأجدادُ مجدًا و احتضنه الأحفادُ معنى..!!


حنين عمر 05-10-2009 12:23 PM

حرية الشعوب تقاس بتألق أدبها الساخر

أوافق تماما على هذا
و أوافق تماما على اهمية الأدب الساخر - كأدب قضية - في الفعل الثقافي والاجتماعي والسياسي والحضاري


تحياتي وتقديري لطرح العميق و لبعدك الحقيقي

قايـد الحربي 05-10-2009 05:20 PM

حسن مغربي
ــــــــــ
* * *


نُرحبُ بكَ في أبعَاد ،
فأهلاً وَ سهْلاً بِانضمَامك وَ غَمامكَ .

:

بيْنَ الأدَب السّاخِر وَ قِلّة الأدبِ ، خَيطٌ دَقيق وَ رَقيْق بإمْكانِهِ أنْ يُدخِلَ الهِجاء البَذيء
في السّخريةِ - خَطَأً - ، هُو تمَامَاً كقوْلكَ :
" السّخرية بعيدةٌ عن التهكّم المُبتذل أو الهزل السمج. فهي تعطي للمواضيع الصارمةِ الجادةِ نكهتها الإنسانية, و لا تحرمُها من تهويَّات التلطيف و كأنها تعيد أكبر القضايا الإنسانية إلى بيئتها الأولى..!! حيث لا يُفرض عليها الوقار المشبوه و لا الابتذالُ الفاضح السخيف..!! "

وَ مِن قَولكَ هَذا ، لا يُمكنُني أنْ أُصنّفَ قَولَ [ مُظفر النّواب ] - المُقتَبَس - بِأنّه : أدَبٌ سَاخِر
حَتّى وَ إنْ عُرِفَ المَقصُود أوْ تَمدّدتْ شِفاهُنَا ضَحكاً ، لأنّ قولكَ :
" لكن السّخرية لا يمكن أن تثير الضحك دائمًا " ، حَقٌ وَ صِدق .

:

حسن مغربي
سُعداء بحضورك حَدّ الشكر .

فاطمة العرجان 05-10-2009 11:50 PM

نقرأ لبعض المدعين كتابات يدعون نسبتها للأدب الساخر
وهي ليست منه في شيء , هي فقط كلام مخل لفظاً ومعنى ,
رغم أن الحروف الساخرة بحق هي الأكثر تعبيراً عن الواقع .

,

أ.حسن
بحاجة لمثل مقالك لنميز بين الغث والسمين
شكراً لِكَم الوعي والفكر


د. منال عبدالرحمن 05-11-2009 03:42 PM



أستاذ حسن مغربي ,

أهلاً بكَ في أبعاد المقال ,

ما داخلَ التّطرفُ شيئاً إلّا ساءَهُ ,
فالأدبُ السّاخرُ يجبُ ألّا يخرجَ عن مُسمّاهُ فهوَ أدبٌ قبلَ أن يكونَ ساخراً ..
تلكَ السّخريّةَ الّتي تعتمدُ على تنبيهِ أكبرِ قدرٍ من الحوّاس لاستيعابِ هدفِ هذا الأدب ,
و هوَ ما يميّزهُ - كما ذكرتَ في مقالكَ - و يمنحهُ صِفةَ المرونة للدّخول للمدارك الانسانيّة المتنوّعة و المختلفة - بالضّرورة - .

شُكراً لكَ أستاذ حسن , و تقديرٌ كثير .

حمد الرحيمي 05-11-2009 09:27 PM




حسن المغربي ...




أهلاً بك في أبعادك الأدبية ...




سعداء بهذا الحضور المليء وعياً / فكراً ...





بما أن أنه [ أدبٌ ] ساخر فهو حمَّالُ أوجه بدءاً [ بالتهكم مروراً بالألم و السذاجة و الإضحاك و ... و ... الخ ] فلا أظن أنه من اللائق به أن نضيق عليه رحابة أفقه و اتساع مداه ...



و إجابة على سؤالك :

أجزم أن هذا السؤال من أدبيات فترةٍ انقضت و انحل عِقدها و تحللت عُقدها ... فليس هناك من حاكمٍ عربيٍ لا يستحق .... إلا القلة الأقل ...








حسن مغربي ...


قلمٌ وضاء الحرف أنيقه ...








حسن مغربي 05-12-2009 10:37 PM


حنين عمر

يسرّني أن نتوافق و نتّفق..

ودّ و تراتيل التحيات..


عون القحطاني 05-13-2009 07:37 PM



حسن مغربي

اشكرك كثيراً .. فكرك مضيء
جميلٌ ماقرأت
نفتقد لمثل هذا الطرح

شكراً ياثريء


الساعة الآن 05:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.